الشرح : يقول المؤلف لهؤلاء الغاوين الذين اتخذوا من إبليس اللعين قدوة لهم في الضلال والغي. من ذا الذي كان أول من استعمل القياس وعارض الأمر المنصوص بالرأي المعقول؟ أخبرونا به إن كنتم كما تدعون من أولي المعرفة والتحقيق. أو لم تعرفوا أنه إبليس رأس الشر. ذلك القدري الجبري الذي جمع بين الضدين ، كما حكى ذلك عنه القرآن العظيم حيث قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٣٩] فاحتج بالمقدور حين قال : (بِما أَغْوَيْتَنِي) فكان جبريا ، ثم أظهر أن أفعال العباد تقع بإغوائه وتزيينه هو فكان قدريا.
فانظر كيف ورث القدرية والمجبرة وغيرهم من فرق الضلال ميراث أستاذهم الأول بطريق التعصيب بحيث أصبح مقسوما بينهم على أسهمهم ونحن نستحلفهم بالله أن يخبرونا من أحق منا ومنهم بميراث هذا الشيطان الرجيم؟ بعد ما وضحنا لهم القول بأنه هو الذي أسس لهم كل باطل من الرأي ذميم. وهو الذي ألقى العداوة بين الفريقين من أوليائه وأعدائه فاستمرت مستعرة حتى الآن ، ولا تزال كذلك ما دام في الأرض حق وباطل حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وذلك لأن أهل الباطل قد أصلوا لأنفسهم أصولا وأصل خصومهم من أهل الحق أصولا ، ولن يتلاقى الأصلان أبدا بل بينهما من التباين ما بين الليل والنهار ولهذا قامت الحرب بيننا ، واشتد أوارها وتنادى الأقران من كل مكان ، وطلبوا المبارزة والطعان.
* * *
أصلتم آرا الرجال وخرصها |
|
من غير برهان ولا سلطان |
هذا وكم رأى لهم فبرأي من |
|
نزن النصوص فأوضحوا ببيان |
كل له رأي ومعقول له |
|
يدعو ويمنع أخذ رأي فلان |
والخصم أصل محكم القرآن مع |
|
قول الرسول وفطرة الرحمن |
وبنى عليه فاعتلى بنيانه |
|
نحو السما أعظم بذا البنيان |