احدى الطوائف مشرك بإلهه |
|
فإذا دعاه إلها ثان |
هذا وثاني هذه الأقسام ذا |
|
لك جاحد يدعو سوى الرحمن |
هو جاحد للرب يدعو غيره |
|
شركا وتعطيلا له قدمان |
الشرح : يثبت المؤلف في هذه الآيات أن التعطيل ونفي الصفات أخو الإشراك وعبادة الأوثان ، وأنهما مذ وجدا أخوان لا يفترقان. وأن أولهما وهو التعطيل مفض إلى الشرك ومقتض له ، كما تقتضي العلة معلولها ، فكل معطل وجاحد للصفات فهو مشرك عابد للطاغوت.
وذلك لأن العبد في هذه الحياة الدنيا عرضة لنوائب الخير والشر وهو لا يستطيع أن يستقل بتحصيل الخير لنفسه ولا بدفع الشر عنها ، فهو محتاج إلى من يدفع عنه ضره ويغنيه من عيله ، وإليه يقصد في كل حوائجه ليقضيها له ، ويفزع من مخاوفه ليوفر له الأمان ، فإذا نفينا صفات هذا الإله المقصود وأفعاله ، ونفينا وجوده فوق عرشه لم يجده العباد أهلا لأن يفزعوا إليه ، بل لم يجدوه شيئا ، فيفزعون حينئذ إلى غيره ، والذي جرهم إلى هذا الشرك هو التعطيل والإنكار.
فمن عطل أوصافه سبحانه فقد عطل توحيده ، فهما تعطيلان قد بعث جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم نوح إلى خاتمهم محمد لإنكارهما وإبطالهما والناس بالنسبة لهذا الأمر ثلاث فرق لا رابع لها.
فأما إحداها فهو من يشرك بالهه في العبادة فيدعو معه إلها آخر ، وهذا شرك أكثر المشركين ، فإنهم يقرون بوجود الله وبأنه المنفرد بالربوبية في الخلق والرزق والتدبير والملك ، ولكنهم يعبدون معه غيره. وأما ثانيتهما فهو من يجحد الرب جل شأنه فينكر وجوده وصفات كماله ، فهذا لا يدعوه وإنما يدعو غيره ، فهو قد جمع بين الشرك والتعطيل ، واتخذ منهما قدمين يقوم عليهما كفره والحاده. وهذا شر الفريقين ، فإن من يدعو مع الله غيره مع دعائه إياه أهون ممن لا يدعوه ، بل يدعو سواه.
* * *