(وَكَأْساً دِهاقاً) [النبأ : ٣٤] ممتلئة. وقوله : (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) [المطففين : ٢٥] يقول الخمر ختم بالمسك.
فهذا شأن خمر الآخرة تحدث لصاحبها أعظم نشوة وأصفى لذة من غير أن تغتال عقله أو تصدع رأسه أو تجلب له الأمراض.
وأما خمر الدنيا فهذا وصفها : تغتال عقل شاربها حتى يهذي ويقدم على ارتكاب العظائم ، وتحدث له من الأدواء والعلل ما هي جديرة به ، وتورثه العدم والإملاق بعد الغنى واليسار ، فنفى لنا الرحمن عزوجل كل هذه الآفات التي تحدثها خمر الدنيا عن خمر الجنة من الصداع والغول واللغو والإنزاف وعدم اللذة. وأهل الجنة فريقان : مقربون ، وأصحاب يمين.
أما أصحاب اليمين فيشربون فيها من سلسبيل مزج بالكافور والزنجبيل ، كما قال تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) [الإنسان : ٥] وقال بعد ذلك : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) [الإنسان : ١٧ ، ١٨] قال المؤلف رحمهالله في حادي الأرواح :
فأخبر سبحانه عن مزاج شرابهم بشيئين ، بالكافور في أول السورة والزنجبيل في اخرها ، فإن في الكافور من البرد وطيب الرائحة وفي الزنجبيل من الحرارة وطيب الرائحة ما يحدث لهم باجتماع الشرابين ومجيء أحدهما على أثر الآخر حالة اخرى أكمل وأطيب وألذ من كل منهما بانفراده ، ويعدل كيفية كل منهما بكيفية الآخر. وما ألطف موقع ذكر الكافور في أول السورة والزنجبيل في آخرها ، فإن شرابهم مزج أولا بالكافور ، وفيه من البرد ما يجيء الزنجبيل بعده فيعدله والظاهر أن الكأس الثانية غير الأولى ، وأنهما نوعان لذيذان من الشراب ، أحدهما مزج بكافور والثاني مزج بزنجبيل أه.
وأما المقربون فيشربون من هذه الكأس صرفا غير مزيج كما قال تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) [الإنسان : ٦] وذلك لأنهم