التوبيخ والتقريع ، ولكن يذكر بفضله وإحسانه عليه في العفو والمغفرة. وفي الصحيح من حديث ابن عمر : «أن الله عزوجل يدني المؤمن ويضع عليه كنفه ثم يقرره بذنوبه فيقول : ألم تفعل كذا يوم كذا ، حتى إذا قرره بذنوبه وأيقن أنه قد هلك قال له سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم».
وقد ورد أيضا أن الله عزوجل يتجلى لأهل الجنة ويسلم عليهم ، كما قال تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨] بل وقد ورد أنه سبحانه يقرأ القرآن لأهل الجنة بصوت نفسه يسمعهم لذيذ خطابه ، فإذا سمعوه منه فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك. روى أبو الشيخ عن صالح بن حبان عن عبد الله ابن بريدة قال : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد فلم تقرّ أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا أحسن منه.
وهذا سماع مطلق وهو أكمل السماع ، وأما سماعنا للقرآن في الدنيا فهو نوع آخر ، لأن سماع كلام الله نوعان : نوع بوساطة القارئين له المبلغين عن الله عزوجل. ونوع بالمباشرة بلا وساطة أحد ، كتكليمه لموسى عليهالسلام ، فإنه كان كفاحا بلا واسطة. وأما سماعنا نحن لكلامه في الدنيا فهو بواسطة التالين له. فمن جعل النوعين نوعا واحدا وزعم أن الله لا يتكلم بكلام مسموع ، وأنه لا يمكن سماع كلامه إلا بواسطة من يقرؤه من الناس ، فهو مخالف للعقل الذي يقتضي بأنه لا يسمى متكلما إلا من قام به الكلام ، والكلام لا يكون إلا حروفا وألفاظا مسموعة. ومخالف للقرآن أيضا : فقد ذكر الله أنواع وحيه إلى رسله وجعل منها تكليمه لمن يشاء منهم من غير وساطة الملك. قال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشورى : ٥١].
* * *