وأخو الهوينا في الديار مخلف |
|
مع شكله يا خيبة الكسلان |
الشرح : وأما أخو البصيرة فهو دائما حاضر القلب يقظان لا يجري مع أهل اللهو في لهوهم ، ولا يسير مع جماعة السكارى والعميان ، ولا ينحط إلى طلب هذا المتاع الأرضي الحقير الفاني ، بل يسمو دائما بهمته وروحه إلى الرفيق الأرفع في أعلى الجنان ، وقد ترك اللعب في هذه الدنيا وخلاه للصبيان ، والناس كلهم صبيان العقول وإن كبرت أجسامهم إلا أفرادا قليلين في كل زمان.
وإذا رأى العاقل البصير ما تشتهيه نفسه لم ينقد لها ولم يسرع إلى تلبية ندائها ولكنه يقول لها موعدك الجنان ، ثم يجد في تحصيل ما تتطلبه الجنة ، تلك السلعة الغالية من مهر وأثمان.
وإذا أبت نفسه إلا العناد والجماح ولم تستنم لهذه العدة الكريمة أعاضها عن ذلك بلذة العلم والعرفان ، ويرى بحق أن بيع الدائم الباقي بذلك العرض الفاني من أفحش الغبن وأقبح الخسران.
ويشاهد مصارع أهل الدنيا من حوله وما تغلي به صدورهم من سعير الشهوات ولاذع الحسرات وجمر الأحقاد والعداوات ، فكلما خبت وضعف لهبها جاءها الوقود فازدادت به اشتعالا واتقادا ، ثم أن هؤلاء الأكياس الفطناء تخففوا من هذه الدنيا ، فجاءوا إلى الله فرادى كما خلقهم أول مرة ، لا مال ولا أهل ولا اخوان بل ليس معهم سوى أعمالهم التي هي متاجر وأثمان للجنان أو للنيران. فأعمالهم هي التي تسعى بهم وتسوقهم أما إلى هذه الدار أو تلك ، كما تساق الخيل قد امتطاها الفرسان ، فهم صبروا قليلا على لأواء هذه الدنيا وشدتها فاستراحوا الراحة الكبرى بتوفيق العزيز المنان ، حمدوا عند الممات استمساكهم بعرى التقوى ، كما يحمد القوم عند الصباح السري ، فيا لهما حمدان.
ونهضت بهم عزائمهم نحو العلى فسروا إليها مدلجين ولم ينزلوا بشيء من منازل الطريق مستريحين ، ولكنهم واصلوا السير إلى غايتهم معرضين عن هذا الخزف الخسيس مؤثرين عليه الذهب النفيس. وقد رفعت لهم في سيرهم رايات