واذا صح الخبر بموته عليهالسلام فهل جاء ما يفيد أن الله يبعثه لنا في القبر قبل يوم القيامة؟ لم يرد ذلك في كتاب ولا سنة ، مع أنه يقتضي محالا ، وهو أن يكون للرسل عليهم الصلاة والسلام ثلاث موتات ولغيرهم من الناس موتتان اثنتان ، لأنه عند النفخ في الصور النفخة الأولى لا يبقى أحد ممن هو على ظهر الأرض حيا ، كما قال تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨] وحينئذ يقال لكم : هل يموت الرسل عند تلك النفخة مع من يموت؟ أم يبقون أحياء؟ أم لكم في هذه المسألة قولان؟ أجيبوا بعلم ان كنتم صادقين ، وتكلموا بالدليل والبرهان لا بالظن والتخمين ، فان مناظريكم من ذوي العقول التي لا يروج عندها ادعاء المكابرين ولا سفسطة المشاغبين.
هذا وقد كان السلف رضي الله عنهم ينهون عن رفع الأصوات حول قبره الشريف ، ويقولون لمن يفعل ذلك ان الله قد أمرنا بغض الصوت عند رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأن حرمته ميتا كحرمته حيا ، فهلا قالوا لهم بدلا من ذلك ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حي فغضوا أصواتكم عنده؟ لكن حاشا لهم أن يقولوا ذلك ، فانهم أعلم بالله وبرسوله وبحقائق الايمان من أولئك الأدعياء الجاهلين الذين يهرفون بما لا يعرفون ، ويقولون على الله وعلى رسوله ما لا يعلمون.
ولقد كان الصحابة من المهاجرين والانصار رضي الله عنهم يستسقون بالعباس عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم اذا نزل بهم قحط واحتبس عنهم المطر ، وقد استسقى به عمر رضي الله عنه عام الرمادة وقال وهو يقدمه (اللهم انا كنا اذا أجدبنا توسلنا أليك بنبينا في حياته فتسقينا ، ونحن نتوسل أليك الآن بعم نبينا فاسقنا) فلو كان النبي صلىاللهعليهوسلم حيا في قبره كما زعمتم وليس بينهم وبينه الا جدار القبر وحجرة زوجه عائشة رضي الله عنها ، فكيف يليق بهم وهم أكمل هذه الأمة علما وايمانا أن يعدلوا الى الاستسقاء بغير رسول الله أيا كان وهو حي بينهم يملك الدعاء ويقدر على الكلام باللسان ، أن هذا الا محض افتراء وبهتان.
* * *