إلى آيات غيرهنّ صريحات في أنّ التاريخ يعيد نفسه ، وأنّ الامم متشابهة في خلقها سواء من غبر ومن حضر.
قال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة. كالذين من قبلكم. هؤلاء بنو إسرائيل شبّهنا بهم ، لا أعلم أنّه صلىاللهعليهوآله قال : والذي نفسي بيده لتتبعنّهم حتّى لو دخل الرجل منهم جحر ضبّ لدخلتموه. (١)
وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لتأخذنّ كما اخذت الامم من قبلكم. قيل : يا رسول الله ، كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب؟ قال : فهل الناس إلّا هم. (٢)
قال علي عليهالسلام : وإنّما تسيرون في أثر بيّن ، وتتكلّمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم. (٣)
وقال : الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين ـ وقال : ـ آخر فعاله كأوّله ، متشابهة اموره ، متظاهرة أعلامه. (٤)
تلك حقيقة واقعة لا محيص عنها ما دام الإنسان ذا طبيعة واحدة وصاحب نزعات وميول واتّجاهات متشابهة ، أوّله بآخره ، ولا يزال.
ولا يخفى أنّ ذلك لا يعني جبرا في مسيرة الحياة ، وإنّما هي حكاية عن استعدادات وقابليات يحملها طبيعة الإنسان حملا أوّليا ، صالحا للتربية الصحيحة والاهتداء نحو معالم الصلاح ، ولو لا ذلك لهدرت تعاليم الأنبياء ولغى تشريع الشرائع وتحكيم القوانين. فلا بدّ من اقتضاء في طبع الإنسان ومن ثمّ هذا العرض!
وإلى ذلك أشارت الآية (١١٩) من سورة هود : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ!) هذا هو المقصود من تشابه ما بين الامم ، يعنى في اصول الأخلاق وفي قواعد الحياة الأوّلية ، الأمر الذي لا يعني خصوصيات المعايش. وفي أساليب الحياة المتناسبة مع
__________________
(١) ـ مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٤٩.
(٢) ـ المصدر.
(٣) ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٨٣.
(٤) ـ المصدر ، الخطبة رقم ١٥٧.