وقال ـ في مسألة عدد الرضعات المحرّمة ـ : احتجّ من قال لا يحرم من الرضاع أقلّ من خمس رضعات ، بما رويناه من طريق حمّاد وعبد الرحمان عن عروة عن عائشة امّ المؤمنين قالت : نزل القرآن «أن لا يحرم إلّا عشر رضعات» ثمّ نزل بعد «وخمس معلومات» وفي لفظ عبد الرحمان : كان ممّا نزل من القرآن ثمّ سقط «لا يحرم من الرضاع إلّا عشر رضعات» ثمّ نزل بعد «وخمس معلومات». قالت : فتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوآله وهنّ ممّا يقرأ من القرآن.
قال ابن حزم : وهذان خبران في غاية الصحّة وجلالة الرواة وثقتهم ، ولا يسع أحدا الخروج عنهما. ثمّ نقل اعتراض القائل : كيف يجوز سقوط شيء من القرآن بعد موته صلىاللهعليهوآله فإنّ ذلك جرم في القرآن. فاعتذر ابن حزم بأنّه ممّا بطل أن يكتب في المصاحف وبقي حكمه كآية الرجم سواء سواء ، (١) وهو اعتذار غير عاذر حسبما يأتي.
هذا وأمثاله ممّا دعا بعض القدامى إلى زعم وقوع تحريف في كتاب الله العزيز الحميد.
هذا الإمام العارف الشيخ محيي الدين ابن عربى (ت ٦٣٨) ـ فيما نقل عنه الشيخ عبد الوهّاب الشعراني ـ يرى من مصحف عثمان ناقصا منه عمّا نزل على رسول الله صلىاللهعليهوآله من قرآن.
قال : وقد زعم بعض أهل الكشف أنّه سقط من مصحف عثمان كثير من المنسوخ.
قال : ولو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان هو الذي تولّى جمع القرآن لوقفنا وقلنا : هذا وحده هو الذي نتلوه إلى يوم القيامة.
قال : ولو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في غير أهلها لبيّنت جميع ما سقط من مصحف عثمان.
قال : وأمّا ما استقرّ في مصحف عثمان فلم ينازع أحد فيه.
هذا ما يراه الشيخ ابن عربي في كتابه «الفتوحات المكّية» الذي هو أتقن كتبه وأهمّها ضبطا وتحقيقا وإعرابا عن آرائه.
قال الشعراني : ولكنّه ذكر في كتابه «الفتوحات المصرية» أنّ الذي يتعيّن اعتقاده أنّه
__________________
(١) ـ المحلّى ، ج ١٠ ، ص ١٤ و ١٦.