موبّخا ومؤنّبا وأبان أوجه البطلان والفساد فيه ، ومن ثمّ طلب من الحكومة مصادرته ، فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرته. (١) لكن بقيت منه نسخ كثيرة منتشرة في أرجاء العالم الإسلامي وغيره.
وممّا جاء في هذا الكتاب من المأساة ثبت ما دبّجه أهل الحشو في دفاترهم ، واعتبارها أحاديث مسندة ، بحجّة درجها في الصحاح المعروفة ، حتى ولو مسّت بكرامة القرآن المجيد! فقد أعاد إلى الحياة ما جنته يد سلفة القديم ، وكان قد عفا عليه الزمان منذ زمن سحيق.
ومن ذلك أنّه جاء بأقاصيص منسوبة إلى العهد الأوّل ، كحديث عائشة عن اللحن الوارد في القرآن في أربعة مواضع منه ـ على ما مرّ تزييفه ـ وكذلك أحاديث معزوّة إلى ابن عباس وسعيد والضحّاك وأمثالهم في نسبة اللحن إلى كتبة النصّ الأوّل للمصحف الشريف. فجاء بذلك دليلا قاطعا على «لحن الكتّاب في المصحف» على ما عنون به المقال (٢) فزعمها أحاديث صحيحة الإسناد واعتمدها ، ذهولا عن استدعاء ذلك تحريفا في نصّ الوحي عمّا أنزله الله بأن تكون قد صنعته يد الأوائل ، إمّا عمدا أو عن جهل بمواضع كلامه تعالى ، ممّا لا تتحمّله العقول الصافية العارفة بنزاهة السلف عن إمكان إسناد مثل هذا التماحل اليهم ، وهم أولى بحراسة هذا الكتاب العزيز الحميد.
والشيء الأغرب أنّه زعم أنّ الطاغية الحجّاج بن يوسف الثقفي قد غيّر من المصحف الشريف في اثني عشر موضعا ، غيّرها على غير كتبتها الاولى ، والتي كانت دارجة قبل ذلك ومعروفة بين المسلمين ، فغيّرها إلى ما هو عليه اليوم من القراءة الحاضرة. مثلا يقول :
__________________
ـ سنة ١٣٦٧ ه ـ ١٩٤٨ م. وثارت حوله ضجّة ممّا دعا بالأزهر أن يطلب من الحكومة مصادرته ، فصادرته الحكومة مصادرة شكلية بقيت منه نسخ كثيرة منتشرة في أقطار البلاد. وفي مكتباتنا اليوم من هذا الكتاب عدد وفير ، وطبعت عدّة طبعات.
(١) ـ راجع مقال الاستاذ محمد محمد مدني في «رسالة الإسلام» الصادرة من دار التقريب ـ القاهرة ـ عدد ٤٤ ، سنة ١١ ، ص ٣٨٢ ، والاستاذ التيجاني في كتابه «لأكون مع الصادقين» ، ص ٢٦٢.
(٢) ـ الفرقان ، ص ٤١ ـ ٤٦ ؛ وراجع ص ٩٠ ـ ٩١.