فيما غبر وحضر تستدعي وقوع التحريف في القرآن أيضا. (١)
وقد أسلفنا أنّ تحريف العهدين كان تحريفا معنويا وتفسيرا على غير وجهه. مضافا إلى ضياع كثير من بنود الأصل ، وكان الباقي سليما حتى عهد الرسالة ، بتصريح الكتاب الكريم.
وأمّا تشابه الامم فإنّما هو في اصول الأخلاق والمعاشرة ، المبتنية على أصل التنازع في البقاء ، وليس في السلوك والأساليب المتّخذة المتناسبة مع شرائط خاصة بكلّ زمان ، حسبما سبق تفصيله.
* * *
وقال ـ ثانيا ـ : إنّ الأساليب التي قام بها جامعوا القرآن ذلك العهد ، لتستدعي انفلات شيء من كلماته وآياته ، ولا سيما بالنظر إلى عدم إمكانية الإحاطة بجميع القرآن لمن لم يستكمل الجمع على حياة الرسول صلىاللهعليهوآله. (٢)
وقد شرحنا مراحل جمع القرآن الثلاث منذ عهد الرسالة فإلى دور توحيد المصاحف على عهد عثمان. وقد تحقّقت مرحلتان منها في حياة الرسول : تأليف الكلمات ونظم الآيات. وبقي ترتيب السور إلى ما بعد وفاته صلىاللهعليهوآله. الأمر الذي لا يستدعي تغييرا في كلمات القرآن وآياته الكريمة. (٣)
* * *
وقال ـ ثالثا ـ : إنّ ما تذرّعت به العامة لتوجيه رواياتهم في التحريف بأنّها من منسوخ التلاوة لغو باطل. إذ فيها الصراحة بأنّ كثيرا من التحريف حصل على يد عثمان نفسه وفي عهده. (٤)
وقد ذكرنا أنّها من تلفيقات الحشويّة جاءت في اصول العامة ذهولا ، ولا وزن لها في
__________________
(١) ـ راجع : فصل الخطاب ، ص ٣٥ ـ ٩٥.
(٢) ـ المصدر ، ص ٩٦ ـ ١٠٤.
(٣) ـ راجع : الجزء الأوّل من هذا التأليف (التمهيد) ، «تأليف القرآن».
(٤) ـ راجع : فصل الخطاب ، ص ١٠٥ ـ ١٢٠.