وقد ذهب عنه أنّ ثلاثة من القرّاء السبعة ، وهم : ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، قرأوا بالخفض وثلاثة وهم : ابن عامر ، ونافع ، والكسائي ، قرأوا بالنصب. وأمّا عاصم فقد قرأ بالوجهين ، بالنصب برواية حفص ، وبالخفض برواية شعبة! (١) وقد نصّ عليه الشيخ في التهذيب. (٢)
على أنّ اختلاف القراءة لم يكن يوما مّا دليلا على مسألة التحريف!
ملحوظة : هذه الرواية ساقطة عندنا لا نعتبرها حجّة ، لأنّ المفيد يرويها بإسناده إلى حمّاد عن محمّد بن النعمان (مشترك ، ولو كان هو الأحول الثقة مؤمن الطاق لنصّ عليه) عن غالب بن هذيل أو أبي هذيل (مجهول الحال ، لم يعرف سوى أنّه شاعر كوفي ، وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر ثمّ الصادق عليهماالسلام). ومن ثمّ فالرواية من حيث الإسناد غير صحيحة.
وأمّا قراءة الخفض فمضافا إلى أنّها خلاف المشهور ولم يقرأ بها حفص ولا جمهور المسلمين (وهو الشرط الأوّل لصحّة القراءة) ، كانت على خلاف ضوابط الإعراب ، (والشرط الثاني لصحة القراءة هو كونها موافقة مع الضوابط اللغوية المعروفة). (٣)
توضيح ذلك : أنّ العامّة حملوا قراءة النصب على إرادة العطف على مدخول الغسل ، أي اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ، ومن ثمّ حصل الفصل بين العاطف والمعطوف عليه بالأجنبي ، وهو : «وامسحوا برؤوسكم». وهو حمل ساقط ، لأنّ الفصل بالأجنبي غير جائز في اللغة الفصحى.
نعم ، حمله الشيخ الرضي قدسسره على إرادة العطف على محلّ المجرور. وذلك لأنّ المسح ممّا يتعدّى بنفسه من غير حاجة إلى دخول الباء ، لكن لمّا كان الواجب هو إمرار اليد المبتلّة بالرأس إمرارا من غير اعتبار الاستيعاب دخلت الباء على الممسوح دلالة على كفاية مجرّد إمرار المسّ ، أي صرف لصوق هذا الفعل بهذا المحلّ ومن ثمّ زيدت الباء. وبما
__________________
(١) ـ حجّة القراءات لأبي زرعة ، ص ٢٢١ و ٢٢٣.
(٢) ـ تهذيب الأحكام ، ج ١ ، ص ٧١.
(٣) ـ راجع اختيارنا في ضابط القبول في الجزء الثاني من التمهيد ، «ملاك صحة القراءة» ، فى صورة الكلمة ، و«دفاع ملثوم».