قال سبطه الشهيد : وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وانوف حميّة ونفوس أبيّة ... (١)
وأمّا الذي ذكره دليلا على اختياره فليته لم يذكره ، إذ لا شأن له والأدب الرفيع الذي كان من شأن «جار الله الزمخشري» الذي اختار نقيض رأيه وسلك مسلكا نزيها ومشرّفا في نفس الوقت ، فقد شرح الموقف شرحا وافيا ، تبعه عليه جماعة المفسّرين من أهل النظر والاختيار.
قال : ما معنى قوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى؟) فأجاب بقوله :
قلت : جعلوا مكانا للمودّة ومقرّا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودّة ، ولي فيهم هوى وحبّ شديد ، تريد : احبّهم وهم مكان حبّي ومحلّه.
قال : وليست «في» بصلة ـ أي متعلّقة ـ للمودّة ، كاللام إذا قلت : إلّا المودّة للقربى. إنّما هي متعلّقة بمحذوف تعلّق الظرف به ، في قولك : المال في الكيس. وتقديره : إلّا المودّة ثابتة في القربى ومتمكّنة فيها. والقربى مصدر كالزلفى والبشرى. بمعنى : قرابة. والمراد : في أهل القربى.
قال : روي أنّها لمّا نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وابناهما ... ثمّ جعل يسرد روايات جليلة بهذا الشأن (٢) جزاه الله عن آل بيت الرسول خير الجزاء.
وهذا ابن مخلوف الثعالبي ـ في آية الولاية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٣) نراه يحاول امتهان نزولها بشأن عليّ عليهالسلام حينما أعطى خاتمه للفقير وهو في حالة الركوع من الصلاة. فكانت فضيلة شامخة لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام. وقد أجمع عليه المفسّرون وأهل الحديث وتواترت
__________________
(١) ـ المقتل للسيد عبد الرزاق المقرّم ، ص ٢٥٠.
(٢) ـ الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.
(٣) ـ المائدة ٥ : ٥٥.