البحوث النظرية (١) يزعمون أنّ القرآن قد نقص منه ، استنادا إلى لفيف روايات يروونها بهذا الشأن ، ممّا لا قيمة لها عند المحقّقين ، وإنّما أخذها هؤلاء على علّاتها ، نظير إخوانهم الحشوية من أبناء السنّة.
غير أنّهم ينكرون أشدّ الإنكار وجود زيادة في النصّ الموجود ، وأنّ ذلك غير جائز بضرورة الشرع ، كما لا تبديل في شيء منه ولا تغيير عمّا كان عليه. سوى أنّه ذهب منه ـ في زعمهم ـ شيء كثير (٢) قالوا : والإمام القائم يحيط به علما.
وأمّا الفريق الثاني ـ وهم المحقّقون من أهل النظر والاستنباط ـ ممّن بنوا اسس الشريعة على قواعد العقل والحكمة الرشيدة ، وأشادوا من مباني العدل ، وقالوا بضرورة تحكيم الإمامة بعد انقضاء عهد النبوّة. هؤلاء يرفضون احتمال كلّ تغيير أو تبديل ، لا بنقص ولا بزيادة ولا بتحوير ، رفضا باتا ، وأنّ القرآن باق كما هو ، على ما أنزله الله على رسوله صلىاللهعليهوآله لم يغيّر ولم يبدّل ولا زال عمّا كان عليه.
قال الأشعري : واختلفت الروافض في القرآن ، هل زيد فيه أو نقص منه؟ وهم فرقتان ، فالفرقة الاولى منهم يزعمون أنّ القرآن قد نقص منه. وأمّا الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان ، وكذلك لا يجوز أن يكون قد غيّر منه شيء عمّا كان عليه ، فأمّا ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منه ، والإمام يحيط علما به.
__________________
(١) ـ هم فئة متشعّبة عن جماعة محدّثي الشيعة في عصر متأخّر ، وسمّوا أنفسهم بالأخبارية ، وسمّهم بذلك علمهم الشاخص الجزائري في رسالته «منبع الحياة» (ص ، ٣١ ، ط بغداد). ومن أبرز سماتهم التزمّت والقشريّة ، وحشد الحقائب بالنقول والحكايات حشدا بلا هوادة ، على غرار إخوانهم الحشويّة النوابت من الحنابلة ، على حدّ تعبير القاضي عبد الجبار في شرحه للاصول الخمسة ، ص ٥٢٧.
(٢) ـ أوّل من زعم أنّ القرآن قد ذهب منه شيء كثير هو عبد الله بن عمر ، كان يقول : لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير. الإتقان ، ج ٣ ، ص ٧٢.
ولعلّ هذا كان مغبّة ما قرع سمعه من قولة والده : قد ذهب من القرآن أكثر من ثلثيه. الإتقان ، ج ١ ، ص ١٩٨. أو ما ذكره ابن شهاب : قد ذهب قرآن كثير بذهاب حملته يوم اليمامة. منتخب كنز العمال بهامش المسند ، ج ٢ ، ص ٥٠.
والظاهر أنّ كلّ ذلك مكذوب عليهم كما كذب على الشيعة الأبرياء.