والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال (لقولهم بأصل العدل) والإمامة (١) يزعمون أنّ القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه ، وأنّه على ما أنزله الله تعالى على نبيّه عليه الصلاة والسلام ، لم يغيّر ولم يبدّل ، ولا زال عمّا كان عليه. (٢)
هذا كلام أكبر زعيم من زعماء الفكر الإسلامي في مطلع القرن الرابع الهجري (ت ٣٣٠) يشهد بوضوح أنّ الأعلام المحقّقين من علماء الشيعة الإمامية يرفضون القول بالتحريف في جميع أشكاله ، فمن ذا يا ترى يمكنه نسبة هذا القول إليهم إلّا أن يكون تائها في ضلال؟!
* * *
وللسيّد شرف الدين العاملي بحث لطيف في سلامة القرآن من احتمال التحريف ، يعاتب فيه اولئك الذين تسرّعوا في قذف التهم الشعواء إلى امّة أبرياء ، وأخيرا يقول :
والباحثون من أهل السنّة يعلمون أنّ شأن القرآن العزيز عند الإمامية ليس إلّا ما ذكرناه ، والمنصفون منهم يصرّحون بذلك : قال الإمام الهمام الباحث المتتبّع رحمة الله الهندي في كتابه النفيس «إظهار الحقّ» ما هذا لفظه :
القرآن المجيد عند جمهور علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية محفوظ عن التغيير والتبديل. ومن قال منهم بوقوع النقصان فيه (أي الفئة الأخبارية) فقوله مردود غير مقبول عندهم.
ثمّ يستشهد الإمام الهندي بكلمات أعلام الطائفة أمثال : الصدوق والشريف المرتضى والطبرسي والحرّ العاملي وغيرهم من مشاهير.
ويعقّبها بقوله : فظهر أنّ المذهب المحقّق عند علماء الفرقة الإمامية الاثني عشرية أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من
__________________
(١) ـ القول بالإمامة إشارة إلى الطائفة الإمامية الذين هم أضخم طوائف الشيعة (القائلون بإمامة الأئمّة الاثني عشر) والثلّة النافعة الباقية الماكثة في الأرض ، وهم أعضاد الامة وأشهاد الملّة ، وبهم دارت رحى التحقيق والتدقيق في مجالات العلوم والمعارف الإسلامية ، وكذا في استنباط مباني الشريعة المقدّسة ، ولا تزال أبواب الاجتهاد مفتوحة لديهم بمصراعين.
(٢) ـ مقالات الإسلاميين ، ج ١ ، ص ١١٩ ـ ١٢٠.