هذا ما عرفت من شهادات ضافية بنزاهة موقف علماء الإماميّة من مسألة التحريف وأنّه لم يذهب إلى ذلك أحد من أعلامهم المحقّقين سوى الشرذمة القلية ممّن لا اعتداد بهم في الأوساط الشيعية المعروفة ، نظير الحشوية من نقلة الحديث الذين لا موضع لهم يذكر في أوساط أهل السنّة المعروفين.
وهذا أمر معروف لا غبار عليه ، ولا تصحّ نسبة شيء إلى فريق ما لم يعتقده أعلامهم الشاخصون.
ومن ثمّ فلعلّ الأمر قد اشتبه على بعض المؤلّفين في نسبة هذا القول إلى الشيعة رميا بلا هدف.
هذا ابن حزم الظاهري تراه يرمي الشيعة بوجه عام بتهمة القول بالتحريف ـ حاشا الشريف المرتضى وصاحبيه ـ يقول فيما يقول :
ومن قول الإمامية كلّها قديما وحديثا أنّ القرآن مبدّل زيد فيه ما ليس فيه ، ونقص منه كثير ، وبدّل منه كثير ، حاشا علي بن الحسين (المرتضى علم الهدى) وكان إماميا يظاهر بالاعتزال ، مع ذلك فإنّه كان ينكر هذا القول ويكفّر من قاله. وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبو القاسم الرازي. (١)
وليته سمّى القائلين بالتحريف من الشيعة ، إذ ليس مذهب الشيعة (القائلين بالإمامة والمعتقدين بأصل العدل) سوى الطريقة التي مشى عليها السيّد وشيخه المفيد وزميله الطوسي وأضرابهم من أعلام الطائفة ، فاستثناء هؤلاء الأمثال يعني استثناء رؤوس المذهب وأعيان الملّة لأنّ المذهب والملّة إنّما يتمثّل فيهم لا في غيرهم من الشراذمة!
وعلى غراره مشى الخيّاط المعتزلي أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد في كتابه
__________________
(١) ـ الفصل في الملل والنحل ، ج ٤ ، ص ١٨٢.
وأبو يعلى هو الشريف محمد بن الحسن بن حمزة الطالبي ، توفّي سنة ٤٦٣ ، وهو الذي تولّى غسل الشريف المرتضى. طبقات أعلام القرن الخامس للطهراني ، ص ١٢٧.
وأمّا أبو القاسم الرازي ، فالظاهر أنّه علي بن محمد بن علي الخزّاز ، صاحب كتاب «كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الاثني عشر». الطبقات ، ص ١٥٩ ؛ ومعالم العلماء ، ص ٧١.