يقول في مفتتح كتابه : فلا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافا عقديّا على أنّه نصّ منزل أو موحى به ، يقدم نصّه في أقدم عصور تداوله ، مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات ، كما نجد في نصّ القرآن. (١)
ولم يدر المسكين أنّ مسألة اختلاف القراءات لا تمسّ مسألة تواتر نصّ القرآن الموحّد المحتفظ به لدى جمهور المسلمين يتوارثونه جيلا عن جيل ، من غير اختلاف. وقد أسبقنا ـ في مبحث القراءات ـ اتّفاق كلمة الأئمّة على أنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر ، لا يمسّ أحدهما الآخر.
الأمر الذي ليس ينبغي لأهل التحقيق الذهول عنه ، ولعلّه تجاهل خبيث!
ثمّ نراه يعرّج على مسألة اخرى ذات خطورة بالغة في حياة المسلمين ، هي : مسألة التحريف. ولعلّه من وراء ذلك يحاول الغضّ من شأن هذا الكتاب العزيز من جانب آخر.
إنّه يحاول إثبات القول به ناسبا له إلى أعظم طائفة عريقة في الإسلام ، ذات قدم وقدم في تشييد أركانه ونشر أحكامه ، ولا سيّما العمل في خدمة القرآن وتفسيره وتبيينه ، هم شيعة آل بيت الرسول صلىاللهعليهوآله والسائرون في ضوء تعاليمهم.
فإذ كان أمكنه إثبات القول منهم ـ وهم أمسّ الناس بالقرآن والإسلام ـ فقد ساعده الحظّ في رمي هذا الكتاب بالوهن والحطّ من شأنه.
هكذا حسب حسابه ، ولكن خاب ظنّه ، (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ). (٢)
يقول في افتراءاته المصطنعة : إنّه وإن كان الشيعة قد رفضوا الرأي الذي ذهبت إليه طائفة متطرّفة منهم من أنّ القرآن المأثور لا يمكن الاعتراف به مصدرا للدين (٣) فإنّهم قد تشكّكوا على وجه العموم منذ ظهورهم ، في صحّة صياغة النصّ العثماني ، لأنّه يشتمل
__________________
(١) ـ مذاهب التفسير الإسلامي ، ص ٤.
(٢) ـ الطور ٥٢ : ٤٢.
(٣) ـ لعلّه يقصد ما نسب إلى الأخبارية المتأخّرة من القول بعدم حجّية ظواهر الكتاب وعدم إمكان الاستناد إليها لفهم أحكام الشريعة. ولكنّا أو عزنا ـ في مباحثنا عن التفسير والمفسرين ـ أنّ هذه النسبة مفتعلة ، وليس من فقهاء الامّة من يذهب إلى هذا الرأي الغريب إطلاقا ، لا في حشوية العامّة ولا في الأخبارية المتطرّفة ، على حدّ تعبيرهم.