قال ـ تعقيبا على كلام الصدوق الآنف ـ : والأولى توجيهه بما نوجّه كلام السيّد والشيخ وغيرهما من سائر المحقّقين الأعاظم. (١) وقال ـ في توجيه كلامهما ـ : إنّ طريقتهما المماشاة والمداراة مع المخالفين. (٢)
واستند ـ في هذا التوجيه غير الوجيه ـ إلى رواية رواها الصدوق في كتابه «معاني الأخبار» إنّ عائشة قرأت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر. (٣) وهكذا نقل عن الشيخ أنّه ذكر في تفسيره «التبيان» قراءة ابن مسعود : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى. (٤) وعن السيّد ـ في الشافي ـ أنّه طعن على عثمان إحراقه للمصاحف وإبطاله سائر القراءات. (٥)
واستنتج أخيرا : إنّهم ذهبوا في مسألة التحريف مذهب التقيّة!
وذكر أنّ هؤلاء المشايخ الأربعة (الصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي) خالفوا المذهب ، وقد شاعت هذه المخالفة حتى صارت مذهب الاصوليين من أصحابنا الإمامية واشتهر بينهم حتى قال المحقّق الكاظمي في شرح الوافية : إنّه حكى عليه الإجماع.
قال النوري : وبعد ملاحظة ما ذكرنا تعرف أنّ دعوى الإجماع هنا جرأة عظيمة! قال : وكيف يمكن دعوى الإجماع بل الشهرة المطلقة على مسألة خالفها جمهور القدماء وجلّ المحدّثين وأساطين المتأخّرين. بل رأينا كثيرا من كتب الاصول خالية عن ذكر هذه المسألة ، ولعلّ المتتبّع يجد صدق ما قلنا. (٦)
انظر إلى هذا التهافت الباهت ، كيف يجعل من المشايخ الأربعة مخالفين للمذهب ، وهم أساطينه وعلى عواتقهم رست قواعدها. فإن كانت لمذهب الحقّ طريقة فإنّهم مهّدوها وعبّدوها وأسّسوا معالمها ، ولا يعرف المذهب إلّا من قبلهم هم لا عن سواهم من أغيار!
__________________
(١) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٢.
(٢) ـ المصدر ، ص ٣٤.
(٣) ـ معاني الأخبار ، ص ٣١٤.
(٤) ـ التبيان ، ج ٣ ، ص ١٦٦.
(٥) ـ فصل الخطاب ، ص ٣٢ ـ ٣٤.
(٦) ـ المصدر ، ص ٣٤ ـ ٣٥.