والأغرب أنّه جعل جماعة الإمامية أيضا مخالفين للمذهب ، ولا ندري ما هذا المذهب الذي اختصّ به هو وسائر الأخباريين المساكين؟! وقد خالفهم جماعة الشيعة الإمامية من اصوليين والمتعهّدة من قدامى المحدّثين!
قوله : «جمهور القدماء» أراد بهم جماعة من أصحاب الحديث القدامى كالصفّار (ت ٢٩٠) والعيّاشي (ت ٢٣٣) والنعماني (ت ٣٦٠) وأضرابهم من أصحاب الكتب ، وفيها روايات حسبها دالّة على التحريف حسب فهمه. وسنبحث ـ في فصل قادم ـ إنّ رواية الحديث لا تكشف عن معتقد الراوي إطلاقا. وما ذلك إلّا تحميل في الرأي يشبه الافتراء.
وكذا نسب إلى بني نوبخت (١) من متكلّمي الشيعة قولهم بالتحريف في مثل الكلمة أو الكلمتين ممّا لا يضرّ بجانب الإعجاز ، كقراءات ابن مسعود. وفي مثل قراءة بعضهم : «وسارعوا» وآخر : «سارعوا» بلا واو.
ومن الواضح أنّ ذلك يرجع إلى اختلاف القراءات ممّا لا يمسّ حديث التحريف ، ولكن الغريق يتشبّث بكلّ حشيش!
وهكذا نسب إلى ابن شاذان (ت ٢٦٠) أيضا ذهابه إلى التحريف ، بحجّة أنّه في كتاب «الإيضاح» انتقد على العامّة رواياتهم بشأن ضياع كثير من القرآن كحديث داجن البيت وحديث رجم الشيخ والشيخة وحديث جوف ابن آدم وما شاكل ، المستلزم تحريفا في الكتاب العزيز! فقد أنكر على أهل الحشو في روايتهم ما يتنافى وقدسية القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. (٢) وهذا الإنكار اللاذع إن دلّ فإنّما يدلّ على عقيدته الخلاف ، ومع ذلك فقد زعم النوري أنّه يعتقد الوفاق. قال : وممّن ذهب إلى القول بالتحريف الفضل بن شاذان ، لأنّه يظهر من كتابه أنّ ضياع طائفة من القرآن كان من
__________________
(١) ـ بنو نوبخت بيت معروف من الشيعة منسوبون إلى نوبخت الفارسي المنجّم. نبغ منهم كثير من أهل العلم والمعرفة بالكلام والفقه والأخبار والآداب ، واشتهر منهم بعلم الكلام جماعة أشهرهم أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وأبو محمد الحسن بن موسى النوبختي ، وكان لهم إلمام بالفلسفة وسائر علوم الأوائل. ومن هذه الجهة كانت لبعضهم مخالفات يسيرة في خصوص بعض المسائل مع سائر المتكلّمين من الإمامية وأهل الفقه والحديث. راجع : هامش أوائل المقالات ، ص ٢.
(٢) ـ الإيضاح ، ص ٢٠٩ فما بعد.