والأوضاع الفلكية ، والاتصالات الكوكبية ، ووجود كل منها مشروط بانقضاء الآخر لا إلى بداية على سبيل التجدد والانقضاء دون الترتيب في الوجود ، على ما هو شأن العلل والمعلولات ، ليلزم التسلسل المحال.
فإن البرهان (١) إنما قام على استحالة التسلسل في المبادي المترتبة دون المعدات المتصرمة ، لأنا نقول : بعض البراهين كالتطبيق والتضايف يتناول ما يضبطها الوجود مترتبة سواء كانت مجتمعة أو متصرمة كما سبق آنفا.
ولو سلّم فالكلام في العالم الجسماني فيجوز أن يكون حادثا مستندا الى حوادث متعاقبة ، لا أول لها كتصورات أو إرادات من ذات مجردة ، مثل ما ذكرتم في الحادث اليومي. لا يقال تعاقب الحوادث ، إنما يصح في الجسمانيات دون المجردات لما سبق من أن كل حادث مسبوق بمادة ومدة.
لأنا نقول : قد سبق الكلام على ذلك هنالك. وأما تفصيلا فهو. أنا لا نسلّم أنه لو كان جميع ما لا بد منه في إيجاد العالم حاصلا في الأزل ، كان العالم أزليا ، وإنما يلزم لو لم يكن من جملة ما لا بد منه ، الإرادة التي من شأنها الترجيح والتخصيص متى شاء الفاعل من غير افتقار الى مرجح ومخصص ، من خارج قولكم يلزم تخلف المعلول عن تمام علته وهو باطل ، لامتناع الترجيح بلا مرجح.
قلنا : لا نسلم بطلان التخلف في العلة المشتملة على الإرادة والاختيار ،
__________________
(١) البرهان : هو الحجة الفاصلة البينة يقال برهن يبرهن برهنة اذا جاء بحجة قاطعة للدد الخصومة ، وبرهن بمعنى بين ، وبرهن عليه أقام الحجة ، وفي الحديث : «الصدق برهان» البرهان هنا الحجة او الدليل. والبرهان عند الأصوليين ما فصل الحق عن الباطل ، وميز الصحيح عن الفاسد بالبيان الذي فيه (تعريفات الجرجاني)
أما عند الفلاسفة : فهو القياس المؤلف من اليقينيات سواء كان ابتداء وهي الضروريات أو بواسطة وهي النظريات (تعريفات الجرجاني)
قال ابن سينا : البرهان قياس مؤلف من يقينيات لانتاج يقيني (النجاة ص ١٠٣) والحد الأوسط في هذا القياس لا بد من ان يكون علة نسبة الأكبر الى الأصغر فإذا اعطاك علة اجتماع طرفي النتيجة في الذهن والوجود معا سمي برهان اللم ، قال ابن سينا : البرهان المطلق هو برهان اللم وبرهان الإنّ (راجع النجاة ص ١٠٣ ـ ١٠٤)