الثالث : أن عند امتزاج العناصر الفاعل والمنفعل ، هي الكيفيات الأربع في نظر الطبيب ، إذ لا ثبت عنده للصور النوعية. وأما الفلاسفة فلما أثبتوها بما سبق من الأدلة جعلوا الفاعل هو (١) الصورة بتوسط الكيفية التي لمادتها بالذات ، كحرارة النار ، أو بالعرض كحرارة الماء ، ومعنى فاعليتها أن تحيل مادة العنصر (٢) الآخر إلى كيفيتها ، فتكسر سورة كيفية الآخر. بمعنى أن تزول تلك المرتبة من مراتب تلك الكيفية ، وتحدث مرتبة أخرى أضعف منها. أما كون الفاعل هو الصورة فلأنه لا يجوز أن يكون هو المادة لأن شأنها القبول والانفعال ، ولا الكيفية لأن تفاعل الكيفيتين أي كسر كل منهما سورة الأخرى ، إن كان معا لزم أن يكون الشيء مغلوبا عن شيء حال كونه غالبا عليه ، وإن كان على التعاقب ، بأن تكسر سورة الأخرى ، ثم ينكسر عنها ، لزم أن يصير المغلوب عن الشيء غالبا عليه ، والغالب على الشيء مغلوبا عنه ، وذلك أن المنكسر عند ما كان قويا لم يقو على كسر الآخر ، فلما انكسر وضعفت قوته ، قوي على كسر الآخر وهذا (٣) محال ، وأما توسط الكيفية فلأن منشأ (٤) الكسر والانكسار هو التضاد وذلك في الكيفيات ، ولهذا لا تكسر سورة الهواء البارد برودة الأرض ، ولا سورة الماء الحار حرارة الهواء ونحو ذلك.
واعترض بأن ما ذكر مشترك الإلزام ، لأن تفاعل الصورتين بواسطة الكيفيتين ، إما أن يكون معا فيلزم كون الشيء غالبا مغلوبا معا ، لأن الكيفية كما أنها غالبة إذا فرضناها الكاسرة ، فكذا إذا كان لها دخل في ذلك. بل يلزم اجتماع الكيفية الشديدة التي بها الكسر ، والضعيفة الحادثة بالانكسار في آن (٥) واحد ، وهو محال لأنهما مرتبتان مختلفتان ، وإما أن يكون على التعاقب ، فتلزم صيرورة المغلوب غالبا وبالعكس (٦) ، ولظهور بطلان هذا ، ولزوم كون المعلول مقارنا للعلة وشرطها ، اقتصر في المواقف على الشق الأول. فقال : الصورة إنما تفعل بواسطة
__________________
(١) في (ب) نفس بدلا من (هو)
(٢) في (ب) العناصر بدلا من (العنصر)
(٣) سقط من (أ) لفظ (وهذا محال)
(٤) في (ب) سبب بدلا من (منشأ)
(٥) سقط من (أ) لفظ (آن واحد)
(٦) سقط من (ب) لفظ (والعكس)