تحصيل الغذاء وتشبيهه وإلصاقه واحد أو متعدد. وتحيروا في كيفية صدور هذه الأفعال المتفقة عن القوى الضعيفة سيما إذا تؤمل ما نشاهد من أنواع الحيوان والنبات ، من عجائب الصور والأشكال وغرائب النقوش ، والألوان (١) والتجئوا على ما هو موجب الفطرة السليمة إلى إذن الخالق القدير ، وتقدير العزيز العليم].
يعني لما كان كلامهم في باب القوى مبنيا على الحدس (٢) والتخمين دون القطع واليقين وقع مترددا في عدة مواضع منها : أن الغاذية والنامية والمولدة قوى متعددة متغايرة بحسب الذات ، أم بمجرد الاعتبار ، ويكون اختلاف الأفعال والآثار راجعا إلى اختلاف الآلات والاستعدادات. مثلا تفعل الغاذية النمو ، فيما إذا كان الوارد زائدا على المتحلل ، والتوليد فيما إذا صار صالحا ، لأن يصير منيا وحاصلا في الأنثيين ، ويعرض لأفعالها قوة أو ضعف في بعض الأحوال ، لأسباب عائدة إلى المواد والآلات وزيادة الحرارة الغريزية ونقصانها. وكذا تفاوت في الحدوث ، بأن يحدث التوليد بعد التغذية والتنمية ، ويبقى التوليد دون التنمية ، وتبقى التغذية دون التنمية والتوليد ، وما تقرر عندهم من أن أثر الواحد ، لا يكون إلا واحدا. فإنما هو في الواحد بجميع الجهات ، ومنها أن النفس النباتية اسم لهذه القوى في النبات ، وكذا الحيوانية في الحيوان ، أم هي صورة جوهرية ، مبدأ لهذه القوى في النبات ، وللحس والحركة أيضا (٣) في الحيوان ، ولإدراك المعقولات أيضا في الإنسان ، ومنها أن الغاذية هل هي مغايرة بالذات للجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة أم لا ، بل هي عبارة عنها ، كما يشعر به كلام جالينوس وغيره ، وأيضا ذهب بعضهم إلى أن الأربعة واحدة بالذات ، متغايرة بالاعتبار. بمعنى أن هناك قوة واحدة ، فعلها جذب عند الإدرار (٤) ، إمساك بعد الإدرار ، هضم بعد الإمساك ، دفع بعد الانهضام. ومنها أن الغاذية على تقدير مغايرتها للبواقي ، هل هي قوة واحدة فعلها التحليل (٥) والتشبيه والإلصاق ، أم قوى ثلاث متغايرة بالذات مبادي للأفعال
__________________
(١) في (أ) الحيوان بدلا من (الألوان)
(٢) في (ب) الحس بدلا من (الحرس)
(٣) سقط من (ب) لفظ (أيضا)
(٤) في (ب) الازدراد بدلا من (الإدرار)
(٥) في (ب) التحصيل بدلا من (التحليل)