الثلاثة. وميل ابن سينا إلى الثاني ، وهو الظاهر من قواعدهم ، ثم إنها نفس القوى الثلاث ، لا قوة أخرى نستخدمها ، لأنه ليس هناك فعل آخر ، غير إيراد البدل والتشبيه والإلصاق ، ومنها : أنه كيف تصدر هذه الأفعال المتقنة المحكمة على النظام المخصوص عن القوى ، التي هي أعراض قائمة بالأعضاء لا يتصور لها قدرة أو إرادة أو علم ، خصوصا إذا تؤمل في الصور العجيبة ، والأشكال الغريبة ، والنقوش المؤتلفة ، والألوان المختلفة الموجودة في أنواع النبات والحيوان ، فإن العقل لا يكاد يزعن لصدورها عن القوة التي سموها مصورة.
وإن فرضنا كونها مركبة ، وكون المواد مختلفة. كيف وقد ورد الكتاب الإلهي في عدة مواضع ، باستناد جميع ذلك إلى الله سبحانه (١) ، وأشار إلى دلالتها على كونه قادرا حكيما ، وصانعا قديما. والفلاسفة أيضا لما رجعوا إلى الفطرة السليمة. صرحوا بأن هذه القوى ، إنما تفعل ذلك بإذن خالقها القدير وموجدها الحكيم الخبير. ومنهم من قال ، نحن نعلم قطعا أن ما في التغذية والتنمية والتوليد من الحركات ، إلى الجهات المختلفة ، ومن الإلصاقات ، ومن التشكيلات لا يصح بدون الإدراك. وأن هذا الإدراك ليس للنفس الإنسانية (٢) ، فإن هذه الأفعال دائمة في البدن ، والنفس غافلة عنها ، وتحدس حدسا موجبا لليقين ، أن الحيوانات العجم أيضا ، لا تدرك أفعال هذه القوى في أبدانها. فإذن هو إدراك موجود آخر له اعتبار بهذه الأنواع.
[قال (خاتمة)
النبات كما أنه ليس بحيوان ، ليس بحي ، لأن الحياة صفة تقتضي الحس ،
__________________
(١) قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) سورة المؤمنون الآيات ١٢ ـ ١٤.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا النضر يعني ابن كثير مولى بني هاشم حدثنا زيد بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه قال : إذا أتت على النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكا فنفخ فيها الروح في ظلمات ثلاث فذلك قوله (ثم أنشأناه خلقا آخر) يعني نفخنا فيه الروح.
(٢) في (ب) النباتية بدلا من (الإنسانية)