تمسك الأولون بوجوه :
أحدها : وهو العمدة ، أن العين جسم صقيل نوراني (١) ، وكل جسم كذلك ، إذا قابله كثيف ملون ، انطبع فيه شبحه كالمرآة. أما الكبرى فظاهرة ، وأما الصغرى فلما يشاهد من النور في الظلمة ، إذا حك المنتبه من النوم عينه ، وكذا عند إمرار اليد على ظهر الهرة السوداء ، ولأن الإنسان إذا نظر نحو أنفه قد يرى عليه دائرة من الضياء ، وإذا انتبه من النوم ، قد يبصر ما قرب منه زمانا ، ثم يفقده ، وذلك لامتلاء العين من النور في ذلك الوقت ، وإذا غمض إحدى العينين ، يتسع ثقبة العين الأخرى ، وما ذاك إلا لأن جوهرا نورانيا يملأه ، ولأنه لو لا انصباب الأرواح النورانية من الدماغ إلى العين ، لما جعلت ثقبتا الإبصار مجوفتين ، وهذا بعد تمامه ، إنما يفيد انطباع الشبح لا يكون الإبصار به.
وثانيها : أن سائر الحواس إنما تدرك بأن يأتي صورة المحسوس إليها ، لا بأن يخرج منها شيء إلى المحسوس ، فكذا الإبصار. وردّ بأنه تمثيل بلا جامع.
وثالثها : أن من نظر إلى الشمس طويلا ، ثم أعرض عنها تبقى صورتها في عينه زمانا ، وردّ بأن الصورة في خياله ، لا عينه ، كما إذا أغمض العين.
ورابعها : أن الشيء بعينه إذا قرب من الرائي يرى أكبر (٢) مما إذا بعد عنه ، وما ذاك إلا لأن الانطباع على مخروط من الهواء المشف ، رأسه متصل بالحدقة وقاعدته سطح المرئي ، حتى أنه وتر لزاوية المخروط ، ومعلوم أن وتر الزاوية كلما
__________________
(١) يقول العلم الحديث : تتألف العين من ثلاث طبقات مرتبة من الخارج للداخل.
١ ـ الصلبة : وهي طبقة مكونة من أنسجة ضامة صلبة بيضاء اللون وتقوم هذه الطبقة على حملة العين ، وتمتد الصلبة إلى الأمام لتكون طبقة رقيقة شفافة تدعى بالقرنية.
٢ ـ المشيمية : طبقة تنتشر فيها الشعيرات الدموية التي تغذي العين ولون هذه الطبقة أسود لا حراء خلاياها على صبغة سوداء وتمتد المشيمية إلى الإمام لتكون القزحية الملونة. ويوجد في وسط القزحية ثقب دائري ينفذ منه الضوء يسمى إنسان العين أو البؤبؤ ٣ ـ الشبكية : تعتبر امتدادا للنسيج العصبي المكون للعصب البصري وتبطن العين من الداخل بشكل غشاء والشبكية طبقة من خلايا عصبية حسية متخصصة لاستقبال الضوء.
(٢) في (ب) اكثر بدلا من (اكبر)