قرب من الزاوية ، كان الساق أصغر (١) ، والزاوية أعظم ـ وكلما بعد فبالعكس ، والشبح الذي في الزاوية الكبرى ، أعظم من الذي في الصغرى ، وهذا إنما يستقيم إذا جعلنا موضع الإبصار هو الزاوية على ما هو رأي الانطباع ، لا القاعدة على ما هو رأي خروج الشعاع فإنها لا تتفاوت.
وردّ بأن لا نسلم أنه لا سبب سوى ذلك. كيف وأصحاب الشعاع أيضا يثبتون سببه ، على أن استلزام عظم زاوية الرؤية ، عظم المرئي. وصغرها صغره محل نظر وإلى ما ذكرنا من وجوه الرد أشار بقوله وهو ضعيف.
تمسك القائلون بالشعاع أيضا بوجوه :
أحدها : أن من قل شعاع بصره ، كان إدراكه للقريب أصح من إدراكه للبعيد ، لتفرق الشعاع في البعيد ، ومن كثر شعاع بصره مع غلظه (٢) ، كان إدراكه للبعيد أصح ، لأن الحركة في المسافة الطويلة تفيده رقة وصفاء ، ولو كان الإبصار بالانطباع لما تفاوت الحال.
وثانيها : أن الأجهر (٣) يبصر بالليل دون النهار ، لأن شعاع بصره لقلته يتحلل نهارا بشعاع الشمس ، فلا يبصر ، ويجتمع ليلا فيقوى على الإبصار ، والأعشى بالعكس ، لأن شعاع بصره لغلظه لا يقوي على الإبصار ، إلا إذا أفادته الشمس رقة وصفاء.
وثالثها : أن الإنسان إذا نظر إلى ورقة قرأها كلها ، لم يظهر له منها إلا السطر الذي يحدق نحوه البصر ، وما ذاك إلا بسبب أن مسقط سهم مخروط الشعاع أصح إدراكا من جوانبه.
ورابعها : أن الإنسان يرى في الظلمة كأن نورا انفصل من عينه ، وأشرق على
__________________
(١) في (ب) أقصر بدلا من (أصغر)
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (غلظه)
(٣) الأجهر : الذي لا يبصر في الشمس يقال : كبش أجهر بين الجهر ونعجة جهراء قال أبو العيال الهذلي :
جهراء لا تألو إذا هي أظهرت |
|
بصرا ولا من عيلة تغنيني |
وجهرنا الأرض : سلكناها من غير معرفة. وجهرنا بني فلان أي صبحناهم على غرة.
والمجاهرة بالعداوة : المبادأة بها