ومنها : أن انقسام المحل ، يستلزم انقسام الحال فيه لذاته ، ليمتنع حلول البسيط في العاقل الجسماني ، المنقسم البتة ، بناء على نفي الجزء الذي لا يتجزأ ، ولا يخفي أن بعض هذه المقدمات مما قامت عليه الحجة.
[قال (الثاني)
إنها تدرك ذاتها ، وآلاتها ، وإدراكاتها (١) ، ولا يلحقها بكثرة الأفعال ، وضعف الأعضاء والآلات ضعف وكلال (٢). بل قوة وكمال ، ولا شيء من القوى الجسمانية كذلك ، ومرجعه إلى استقراء وتمثيل].
أي من الوجوه الاحتجاج على تجرد النفس ، أنها متصفة بصفات لا توجد للماديات ، وكل ما هو كذلك يكون مجردا بالضرورة.
بيان الأول : أنها تدرك ذاتها وآلاتها وإدراكاتها ، ولا يلحقها بكثرة الإدراكات وضعف القوى البدنية ضعف وكلال ، بل ربما تصير أقوى وأقدر على الإدراك ، ولا شيء من القوى الجسمانية كذلك ، وهذا يمكن أن يجعل وجوها :
أحدها : أنها تدرك ذاتها ، وآلاتها ، وإدراكاتها ، والمدرك الجسماني ليس كذلك كالباصرة ، والسامعة ، والوهم ، والخيال ، لأنها إنما تعقل بتوسط آلة ، ولا يمكن توسط الآلة بين الشيء وذاته وآلته وإدراكاته.
وثانيها : أن النفس لا تضعف في التعقل عند ضعف البدن وأعضائه وقواه ، بل تثبت علمه أو تزيد ، فإن الإنسان في سن الانحطاط ، يكون أجود تعقلا منه في سن
__________________
(١) سقط من (أ) لفظ (وادراكاتها).
(٢) الكل : العيال والثقل : قال الله تعالى : (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) والجمع الكلول.
والكلّ : اليتيم ، والكل : الذي لا ولد له ولا والد يقال منه كلّ الرجل يكل كلالة. والعرب تقول لم يرثه كلالة قال الفرزدق :
ورثتم قناة الملك غير كلالة |
|
عن ابن مناف عبد شمس وهاشم |
والاكليل : شبه عصابة تزين بالجوهر ، ويسمى التاج إكليلا وأكل الرجل بعيره أي أعياه وأصبحت مكلا : أي ذا قرابات وهم عليّ عيال.
وسحاب مكلل : أي ملمع بالبرق ، واكتل الغمام بالبرق أي لمع وكلله : أي ألبسه الإكليل. وروضة مكللة : أي حفت بالنور.