لو كانت النفس الناطقة جوهرا (١) ساريا في جسم ، أو عرضا (٢) حالا فيه لزم أن يكون تعقلها لذلك الجسم ، سواء كان تمام البدن ، أو بعض أعضائه كالقلب والدماغ دائما ، أو غير واقع أصلا. واللازم باطل. لأن البدن وأعضاءه مما يعقل تارة ، ويغفل عنه أخرى بحكم الوجدان ، وجه اللزوم أنه إما أن يكفي في تعقل ذلك الجسم حضوره بنفسه (عند القوة العاقلة) (٣) ، أو لا بل يتوقف على حضور الصورة منه ، كإدراك الأمور الخارجة، فإن كان الأول لزم الأول (٤) ، لوجوب وجود الحكم عند تمام العلة ، كإدراك النفس لذاتها ، ولصفاتها الحاصلة لها ، لا بالمقايسة إلى الغير ، ككونها مدركة لذاتها ، بخلاف ما يكون حصولها للنفس بعد المقايسة إلى الأشياء المغايرة لها ، ككونها مجردة عن المادة ، غير حاصلة في الموضوع ، فإنها لا تدركها دائما ، بل حال المقايسة فقط ، وإن كان الثالث لزم الثاني ، لأنه لو حصل لها تعقل ذلك الجسم في وقت دون وقت ، كان ذلك لحصول صورته لها بعد ما لم تكن ، وإذا قد فرضنا النفس مادية حاصلة في ذلك الجسم ، لزم كون تلك الصورة حاصلة فيه ، فلزم في مادة معينة اجتماع صورتين لشيء واحد. أعني الصورة المستمرة الوجود لذلك الجسم حالتي التعقل وعدمه ، والصورة المتجددة التي تحصل له حال تعقل النفس إياه(٥) ، وذلك محال ، لأن الصورتين متغايرتان ضرورة ، والأشخاص المتجددة الماهية (٦) يمتنع أن تتغاير من غير تغاير المواد ، وما يجري مجراها (٧) ، ومبنى هذا الاحتجاج ، على أن ليس الإدراك مجرد إضافة مخصوصة بين المدرك والمدرك ، بل لا بد من حضور صورة من المدرك عند المدرك ، وإلا لجاز أن لا يكون حصول الصورة (٨) العينية لذلك
__________________
(١) سبق الحديث عن الجوهر في كلمة وافيه في الجزء الأول من هذا الكتاب فليرجع إليه.
(٢) تكلمنا عن العرض وأقوال العلماء فيه في الجزء الأول من هذا الكتاب وقدمنا صورا لذلك.
(٣) سقط من (أ) ما بين القوسين
(٤) في (ب) لزم هو بدلا من (الأول)
(٥) سقط من (أ) لفظ (إياه)
(٦) في (ب) المتحدة بدلا من (المتجددة)
(٧) سقط من (أ) لفظ (مجراها)
(٨) في (ب) حضور الصورة بدلا من (حصول)