والجنة عن ابتهاجها بكمالاتها ، والنار عن تعلقها بأبدان حيوانات أخر تناسبها فيما اكتسبت من الأخلاق ، وتمكنت فيها الهيئات معذبة بما يلقى فيها من الذل والهوان (١) مثلا تتعلق نفس الحريص بالخنزير ، والسارق بالفأر ، والمعجب بالطاووس ، والشرير بالكلب ، ويكون لها تدرج في ذلك ، بحسب الأنواع والأشخاص ، أي تنزل من بدن إلى بدن ، هو أدنى في تلك الهيئة المناسبة ، مثلا تبتدي نفس الحريص من التعلق ببدن الخنزير ، ثم إلى ما دونه في ذلك ، حتى تنتهي إلى النمل (٢) ، ثم تتصل بعالم العقول عند زوال تلك الهيئة بالكلية.
ثم إن من المنتمين من التناسخية إلى دين يروجون هذا الرأي بالعبارات المهذبة ، والاستعارات المستعذبة ، ويصرفون إليه بعض الآيات الواردة في أصحاب النار ، اجتراء على الله ، وافتراء على ما هو دأب الملاحدة والزنادقة ، ومن يجري مجراهم من الغاوين المغوين ، الذين هم شياطين الإنس ، الذين يوحون إلى العوام والقاصرين من المحصلين زخرف القول غرورا (٣).
فمن جملة ذلك ما قالوا في قوله تعالى (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) (٤) أي بالفساد بدلناهم جلودا غيرها ، أي بالكون ، وفي قوله تعالى (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) (٥) أي من دركات جهنم التي هي أبدان الحيوانات ، وكذا في قوله تعالى (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (٦) وقوله تعالى (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ) (٧) وفي قوله تعالى (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) (٨) الآية معناه أنهم كانوا مثلكم في الخلق والمعايش والعلوم والصناعات ، فانتقلوا إلى أبدان هذه
__________________
(١) في (ب) الهواء بدلا من (الهوان).
(٢) في (ب) النحل بدلا من (النمل)
(٣) الآية (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا) الأنعام ١١٢.
(٤) سورة النساء آية رقم ٥٦.
(٥) سورة السجدة آية رقم ٢.
(٦) سورة غافر آية رقم ١١.
(٧) سورة المؤمنون آية رقم ١٠٧.
(٨) سورة هود آية رقم ٦.