والثاني : فيما يتعلق بإدراكاتها الكائنة حالة النوم.
والثالث : فيما يتعلق بإدراكاتها الكائنة حالة اليقظة.
فالأول : مثل المعجزات ، والكرامات ، من الأنبياء ، والأولياء ، والإصابة بالعين (١) ممن له تلك الخاصية بلا اختياره. ومثل السحر والعزائم ، ونحو ذلك مما يكون بمزاولة أفعال ، وأعمال مخصوصة ، وذلك لأن للنفس تأثيرا في البدن كما للجواهر العالية المجردة في عالم الكون والفساد ، وليس اقتصار تأثيرها على بدنها لانطباعها فيه ، بل لعلاقة عشقية بينهما ، فلا يبعد أن يكون لبعض النفوس قوة بها تقوى على التأثير في بدن آخر ، بل في حيوان آخر ، بل في أجسام أخر. حتى تصير بمنزلة نفس ما للعالم ، أو لبعض الأجسام ، لا سيما الأجسام التي يحصل لها أولوية بها لمناسبتها لبدنها بوجه خاص ، فلا يبعد أن تحيل الهواء إلى الغيم ، فتحدث مطرا بقدر الحاجة أو أزيد كالطوفان ، وأن تفعل تحريكا ، وتسكينا ، وتكثيفا ، وتخلخلا ، يتبعها سحب ورياح وصواعق ، وزلازل ، ونبوع مياه ، وعيون ، ونحو ذلك ، وكذا إهلاك مدن ، وإزالة أمراض ، ودفع مؤذيات وغيرها.
وربما تكون النفس شريفة قوية تطلب خيرا ، وتدعو الله تعالى ، فتستحق بهيئتها واستعدادها ترجيحا لوجود بعض الممكنات ، فتوجد وأمثال هذه إذا صدرت عن نفوس خيرة شريفة. فإن كانت مقرونة بدعوى النبوة فمعجزات ، وإلا فكرامات وقد يكون في بعض النفوس خاصية ، تحدث فيما أعجبها أذى ظاهرا ، وهو الإصابة بالعين ، وقد تستعين النفوس في إحداث الغرائب بمزاولة أعمال مخصوصة وهي السحر ، أو بقوى بعض الروحانيات وهي العزائم ، أو بالأجرام الفلكية ، وهي دعوة الكواكب ، أو بتمزيج القوى السماوية بالأرضية ، وهي الطلسمات ، أو بالخواص العنصرية ، وهي النيرنجات ، أو بالنسب الرياضية ، وهي الحيل الهندسية ، وقد يتركب بعض هذه مع بعض كجر الأثقال ، ونقل المياه ،
__________________
(١) ولذلك أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم ـ أمته بالتعوذ من شياطين الإنس والجن بقراءة المعوّذتين.
قال أحمد ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن مسرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر.
قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم اقرأ بالمعوذتين فإنك لن تقرأ بمثلهما. تفرد به أحمد.