باقية على حالها ، بحيث لا تفاوت فيما جعلته المتخيلة جزئية إلا بالكلية والجزئية ، كانت الرؤيا غنية عن التعبير ، وإلا فإن كان هناك مناسبة يمكن الوقوف عليها ، كما إذا صور المعنى بصورة لازمة أو ضده مثلا ، فهي رؤيا تعبّر ، ومعنى التعبير هو التحليل بالعكس لفعل التخيل ، حتى ينتهي إلى مشاهدته النفس عند الاتصال بعالم الغيب ، فإن المتخيلة لما فيها من غريزة المحاكاة ، والانتقال تترك ما أخذت ، وتورد شبهه أو ضده أو مناسبه ، وربما تبدل ذلك إلى آخر وآخر ، وهكذا إلى حين اليقظة ، فالمعبر ينظر في الحاضر أنه صورة لأية صورة وتلك لأية صورة أخرى ، إلى أن ينتهي إلى الصورة التي أدركتها النفس ، وإن لم يكن هناك مناسبة توقف عليه ، فتلك الرؤيا تعد في أضغاث الأحلام ، وقد يقع ذلك بأسباب أخر ، مثل أن تبقى صورة المحسوس في الخيال ، فتنتقل في النوم إلى الحس المشترك (١) ، ومثل أن تألف الفكرة صورة ، فتنتقل منها عند النوم إلى الخيال ، ثم منه إلى الحس المشترك ، ومثل أن يتغير مزاج الروح ، الحامل للقوة المتخيلة ، فتتغير أفعالها بحسب (٢) تلك التغيرات ، فمن غلب على مزاجه الصفراء حاكته (٣) بالأشياء الصفراء ، والدم فبالحمراء ، والسوداء فبالسوداء ، والبلغم فبالجمد والثلج.
[قال (وقالوا فيما يتعلق باليقظة) :
إن النفس قد تقوى على الانقطاع عن عالم الحس ، والاتصال بعالم الغيب ، والمتخيلة على استخلاص الحس المشترك عن الحواس الظاهرة ، فتطلع على بعض المغيبات ، وربما يكون ذلك بسماع صوت لذيذ أو هائل أو مكتوبا ، أو تخاطبا من إنسان ، أو ملك ، أو جنى (٤) ، أو هاتف غيب ، وقد يقع بعض ذلك عند
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (المشترك)
(٢) في (ب) بتلك بدلا من (بحسب تلك)
(٣) في (ب) كانت بدلا من (حاكته)
(٤) يقول الإمام الغزالي ـ رحمهالله ـ ومن أول الطريق تبدأ المكاشفات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة ، أو يسمعون منهم إشارات.
ولا عجب في ذلك فلن يتم ذلك لكل من يطلبه ولكن لصفوة مختارة وهم الذين عناهم الله بقوله : ـ