ضعف القوى الحسية لمرض أو مجاهدة ، وعند دهشة الحس ، أو تحير الخيال ، بمثل سرعة عدو ، أو تأمل شفاف مرعش البصر ، أو غلبة خوف ، أو نحو ذلك.
وبالجملة : فعجائب النفوس أظهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى. وأما الكلام في الأسباب].
هذا هو القسم الثالث وهو غرائب تتعلق بالإدراكات حالة اليقظة. وذلك أن النفس قد تكون كاملة القوة ، فتكتفي (١) بالمتجاذبين ، فلا يمنعها الاشتغال بتدبير البدن عن الاتصال بالمبادئ ، أي المجردات العلوية المفارقة والمتخيلة ، أيضا قد (٢) تكون قوية بحيث تقدر على استخلاص الحس المشترك عن الحواس الظاهرة ، فلا يبعد أن يقع لمثل هذه النفس في اليقظة اتصال بالمبادئ ، فينطبع فيها صور بعض المغيبات مما كان أو سيكون ، ثم يفيض الأثر إلى المتخيلة ، ثم ينتقل إلى الحس المشترك ، فربما يكون ذلك بسماع صوت لذيذ أو هائل ، وربما يرد مكتوبا على لوح ، أو تخاطبا من إنسان ، أو ملك (٣) ، أو جنى ، أو هاتف غيب ، أو نحو ذلك ، وقد يكون مشاهدة صور ما لا حضور له عند الحس ، لا لشرف النفس ، وكمال قوته ، بل لفساد في الآلات التي يستعملها العقل ، كما في المرض والجنون ، أو لاستيلاء أمر يدهش الحس ، ويحير الخيال ، كالعدو سرعة ، وكتأمل شيء شفاف مرعش للبصر ، مدهش إياه لشفيفه ، كسواد (٤) براق ، أو لغلبة خوف ، أو ظن ، أو وهم ، تعين التخيل ، وقد يكون ذلك بالرياضات المضعفة للقوى العائقة للنفس عن اتصالها بالمبادي الجاذبة إياها إلى جانب السفليات ، إلى غير ذلك من الأسباب المؤثرة عند الفلاسفة ، والعادية عندنا ، والخالق هو الله تعالى.
__________________
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) سورة فصلت الآيات ٣٠ ـ ٣٢
(١) في (ب) فتفى بدلا من (فتكتفى)
(٢) سقط من (أ) لفظ (قد)
(٣) ثبت عن طريق العلماء أن الإنسان يمكن أن يشاهد الملاك ويستمع منه إلى بشارات.
(٤) في (أ) كسوداء بدلا من (كسواد)