مسبوق بمادة ، يحل فيها (١) كالصور والأعراض ، أو يتعلق بها كالنفوس والعقول مبرأة عن ذلك. ومنها أن كلّا من العقول نوع ينحصر في شخص ، لأن تكثر أشخاص النوع (٢) الواحد لا يكون إلا بحسب المواد ، وما يكتنفها من الهيئات ، ومنها أن كمالاتها حاصلة بالفعل ، لأن خروج الشيء من القوة إلى الفعل ، لا يكون إلا بما له مادة ، تندرج في الاستعدادات ، بحسب تجدد المعدات من الأوضاع والحركات ، ومنها أنها عاقلة لذواتها ، ولجميع الكليات. أما لذواتها ، فلأنها حاضرة بماهياتها عند ذواتها المجردة ، وهو معنى التعقل ، إذ لا يتصور في تعقل الشيء لنفسه حصول المثال المطابق ، وأما لغيرها ، فلأنها مجردة ، وكل مجرد يمكن أن يعقل لبراءته من الشوائب (٣) المادية ، واللواحق الغريبة ، المانعة عن التعقل ، وكل ما يمكن أن يعقل ، فإنه يمكن أن يعقل مع غيره من الكليات ، لأن الصور العقلية ليست متعاندة ، بل متعاونة ، (٤) وكل ما يمكن أن يعقل مع غيره صح أن يقارنه من غير أن تتوقف صحة المقارنة على حصولهما في جوهر العاقل ، لأن ذلك متأخر عن صحة المقارنة ضرورة تقدم إمكان الشيء على حصوله. فلو توقفت صحة المقارنة عليه لزم الدور. فإذن صحة مقارنة المجردات وسائر الكليات ثابتة عند حصول المجرد في الأعيان ، فيثبت صحة تعقله (٥) إياها ، إذ لا معنى له سوى مقارنتها للمجرد ، وحضورها عنده ، وكل ما يصح للعقول المجردة ، فهو حاصل بالفعل لما مرّ ، فتكون عاقلة لذواتها ، ولجميع المعقولات ، ثم إنك خبير بابتناء (٦)
__________________
(١) في (ب) يحصل بدلا من (يحل)
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (النوع)
(٣) الشوب : الخلط ، وقد شبت الشيء أشوبه فهو مشوب وقول الشاعر :
سيكفيك ضرب القوم لحم معرص |
|
وماء قدور في القصاع مشيب |
إنما بناه على شيب الذي لم يسم فاعله أي مخلوط بالتوابل والصباغ وقولهم : ما عنده شوب ولا روب أي لا مرق ولا لبن وفي المثل هو يشوب ويروب ، يضرب لمن يخلط في القول أو العمل والشائبة : واحدة الشوائب ، وهي الأقذار والأدناس.
(٤) في (ب) متقارنة بدلا من (متعاونة)
(٥) في (ب) تعلقه بدلا من (تعقله)
(٦) في (ب) بابتناء وفي (أ) (بانتفاء)