هذه الفروع على مقدمات فلسفية غير مسلمة عند المتكلمين ، فلا حاجة إلى التنبيه.
[قال وإنها مبادي يعني أحوال العقول أنها مبادي لكمالات النفوس الفلكية والبشرية بل النفوس والأجرام أنفسها].
بمعنى أن الموجب لتلك الحركة السرمدية هو العقل لا بطريق المباشرة ، وإلا لكان له تعلق بالجسم من طريق التصرف فيه ، فلم يكن عقلا ، بل بطريق الإفاضة (١) على النفس المحركة بقوته التي لا تتناهى ، وبقبولها منه ذلك الفيض ، وتأثيرها تأثيرا غير متناه عن سبيل الوساطة دون المبادئية لامتناع صدور غير المتناهي عما يتعلق بالأجسام ، ما لم يكن مستمرا من مبدأ عقل غير متناهي القوة ، ومنها أن الأخير من العقول ، وهو المسمى بالعقل الفعال ، يعطي النفوس البشرية كمالاتها ، ويخرجها من القوة إلى الفعل في تعقلاتها ، ونسبته إلى النفوس نسبة الشمس إلى الأبصار بل أتم ، وهو كالخزانة للمعقولات إذا أقبلنا عليه قبلنا منه ، وإذا اشتغلنا عنه بجانب الحس ، انمحت (٢) عنا الصورة العقلية كالمرآة ، فإنها إذا حوذي بها صورة تمثلت فيها. فإذا أعرض بها عنها يزال ذلك التمثل ، وربما تمثل فيها غير تلك الصورة على حسب ما يحاذي بها ، فكذا النفس إذا أعرض بها عن جانب القدس إلى جانب الحس ، أو إلى أي شيء آخر من أمور القدس ، ومنها أن مبدأ النفوس كلها ، من حيث هي نفوس ، يجب أن يكون من العقول ، إذ لا يجوز أن يكون هو الواجب ، لأن النفوس لا تكون إلا مع الأجسام فلا تصدر عن الواحد الحقيقي ، ولا أن تكون من الأجسام وأجزائها ، وأحوالها ، لأنها إنما تفعل بمشاركة
__________________
(١) فاض الخير يفيض واستفاض ، أي شاع ، وهو حديث مستفيض أي منتشر في الناس ، وفاض صدره بالسر: أي باح به ، وفاض اللئام : كثروا.
وأفاض الناس من عرفات إلى منى أي دفعوا. وكل دفعة إفاضة وأفاضوا في الحديث أي اندفعوا فيه.
والفيض : نيل مصر ، قال الأصمعي : ونهر البصرة يسمى فيضا
وقولهم : أعطاه غيضا من فيض ، أي أعطاه قليلا من كثير
(٢) في (ب) انحجبت بدلا من (انمحت)