الوضع ، فلا تؤثر فيما لا وضع له ، ولا من النفوس. لأن الكلام في المبدأ القريب الذي تستند إليه كلية النفوس ، وإن كان بعضها من البعض ، وبهذا يتبين أن المبدأ القريب لكلية الأجسام لا يجوز أن يكون هو الواجب ، ولا الجسم وأجزاؤه وأحواله ، ولا النفس ، لأنها من حيث هي نفس ، إنما تفعل بواسطة الجسم ، فتعين العقل ، ولا يخفي ضعف بعض المقدمات وابتنائها على كون الصانع موجبا لا يصدر عنه إلا الواحد.
[قال (على ما قيل) :
إن الصادر الأول عقل ، ويصدر عنه باعتبار وجوده عقل ، وباعتبار وجوبه بالغير نفس ، وباعتبار إمكانه جسم ، جريا على ما هو الأليق ، وهكذا إلى الأخير. واعترض. بأن تلك الاعتبارات إما (١) وجودية ، فيعود المحذور ، أو عدمية فلا يصلح أجزاء من الموجد. ولو سلم فلم لا يكفي الواجب لماله (٢) من السلوب والإضافات ، وكيف يكف الواحد في فلك الثوابت ، وبأن العقول ، إما متفقة الماهية ، فلا تنقطع السلسلة ، أو لا فيجوز أن لا يحصل الفلك إلا بعد عدة (٣) من العقول ، فكيف يجزم بأنها عشرة على أن جزئيات الأفلاك فوق التسعة قطعا ، وكلياتها احتمالا ، وفي التقصي عن ذلك إطناب لا يليق بالكتاب].
إشارة إلى ما ذكره الفلاسفة في ترتيب الوجود ، وكيفية صدور النفوس والأجسام عن العقول ، وقد سبق أن أول ما يصدر عن الواجب ، يجب أن يكون عقلا ، ولا شك أن له وجودا ، وإمكانا في نفسه ، ووجوبا بالغير ، وعلما بذلك وبمبدئه. فقيل صدر عنه باعتبار وجوده عقل ، وباعتبار وجوبه بالغير نفس ، وباعتبار إمكانه فلك إسنادا للأشرف إلى الأشرف. وهكذا من العقل الثاني عقل ونفس وفلك ، إلى آخر ما ثبت بالبرهان من وجود الأفلاك ، ثم تفويض (٤) تدبير عالم العناصر إلى العقل
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (إما).
(٢) في (ب) وله ماله من السلوب
(٣) في (أ) جمع بدلا من (عدة).
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (تفويض).