الأخير بمعونة الأوضاع والحركات. وقيل صدر عن العقل الأول باعتبار إمكانه هيولى الفلك الأعظم ، وباعتبار وجوده صورته ، وباعتبار علمه بوجوب وجوده بعلته عقله ، وباعتبار علمه بعلته نفسه ، واعلم أنه لما ثبت عندهم امتناع صدور الكثير عن الواحد الحقيقي ، ذكروا طريقا (١) في صدور الكثرة عن الواحد ، على أنه احتمال راجح في نظرهم من غير قطع به ، ولم يجعلوا الوجود والإمكان ونحو ذلك عللا مستقلة ، بل اعتبارات وحيثيات ، تختلف بها أحوال العلل (٢) الموجدة على ما قال في الشفاء. نحن لا نمنع أن يكون عن شيء واحد ، ذات واحدة ، ثم يتبعها كثرة إضافية ، ليست في أول وجودها ، داخلة في مبدأ قوامها ، بل يجوز أن يكون الواحد يلزم عنه واحد ، ثم ذلك الواحد يلزمه حكم أو حال أو صفة أو معلول ، ويكون ذلك أيضا واحدا ، ثم يلزم عنه لذاته شيء ، وبمشاركة ذلك اللازم شيء ، فتنبع من هناك كثرة ، كلها تلزم ذاته ، فيجب أن يكون مثل هذه الكثرة هي العلة ، لإمكان وجود الكثرة معا عن المعلولات الأولى ، ثم العقول ليست متفقة الأنواع ، حتى يلزم(٣) اتفاق (٤) ، آثارها بأن يصدر عن كل منها عقل ونفس ، وفلك. بل يجوز أن تنتهي سلسلة العقول إلى ما يكون مبدأ الهيولي العناصر ، وما يعرض لها من الصور والأعراض ، بحسب ما له من الحيثيات ، وما يحصل للمواد من الاستعدادات ، بخلاف الواجب ، فإنه ليس فيه كثرة حيثيات واعتبارات ، وأما السلوب والإضافات فإنما تعقل بعد ثبوت الغير ، فلو علل ثبوت الغير بها كان دورا ، ولم يقطعوا بأن العقول ليست فوق العشرة ، وأن حيثيات كل عقل تنحصر في الثلاث أو الأربع ، فلا يمتنع أن يكون مبدأ فلك الثوابت عقولا كثيرة ، أو عقلا واحدا ، باعتبارات وحيثيات غير محصورة وبما ذكر يندفع اعتراضات :
الأول : أن الوجود والوجوب والإمكان إن كانت أمورا اعتبارية لا تحقق لها في
__________________
(١) في (ب) جعلوا ما ذكر بدلا من (ذكروا)
(٢) في (ب) الفلك بدلا من (العلل)
(٣) في (ب) حيث بدلا من (حتى)
(٤) في (ب) إثبات بدلا من (اتفاق)