[قال (ولا يمتنع أن يكتسبوا) :
أحيانا جلابيب من أجسام كثيفة ، فيراهم الإنسان ، أو يكون فيهم من العنصر الكثيف ما يقتضي الظهور لبعض الأبصار ، وفي بعض الأحوال ، وأن يكون في أمزجتهم وصورهم النوعية ، ما يقتضي حفظ التركيب عند الانحلال والتشكل بالأشكال ، وأما على القول بالقادر المختار فلا إشكال].
إشارة إلى دفع إشكالات تورد على هذا المذهب وهي أن الملائكة والجن والشياطين ، إن كانت أجساما ممتزجة من العناصر ، يجب أن تكون مرئية لكل سليم الحس كسائر المركبات ، وإلا لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ، وأصوات هائلة لا نبصرها ، ولا نسمعها. والعقل جازم ببطلان ذلك على ما هو شأن العلوم العادية ، وإن كانت غلبة اللطيف بحيث لا تجوز رؤية الممتزج يلزم أن لا يروا أصلا ، وأن تتمزق أبدانهم ، وتخل تراكيبهم بأدنى سبب واللازم باطل. بما تواتر من مشاهدة بعض الأنبياء (١) والأولياء إياهم ، ومكالمتهم ، ومن بقائهم زمانا طويلا مع هبوب الرياح العاصفة ، والدخول في المنافذ الضيقة ، وأيضا لو كانوا من المركبات المزاجية ، لكانت لهم صور نوعية ، وأمزجة مخصوصة تقتضي أشكالا مخصوصة كما في سائر الممتزجات ، فلا يتصور التشكل بالأشكال المختلفة.
__________________
ـ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ، وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ).
سورة البقرة آية رقم ١٠٣
(١) روى الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء ٤٠ باب قول الله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
٣٤٢٣ ـ حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان (رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) فرددته خاسئا.
ورواه الإمام النسائي في كتاب السهو ١٩ والإمام أحمد بن حنبل في المسند ٢ : ٢٩٨ ، ٣ : ٨٢ (حلب)