من عالم الحس ، وهو ظاهر ، ولا العقل بكونها ذوات مقادير ، ولا مرتسمة في آلة جسمانية ، لامتناع ارتسام الكبير في الصغير ، وهذه شبهة واهية بنيت عليها دعوى عالية ، فلم يلتفت إليه المحققون من المتكلمين والحكماء والفلاسفة].
يشير إلى ما ذهب إليه بعض المتألهين من الحكماء ، ونسب إلى القدماء ، من أن بين عالمي المحسوس والمعقول واسطة ، يسمى عالم المثل (١) ، ليس في تجرد المجردات ، ولا في مخالطة الماديات ، وفيه لكل موجود من المجردات والأجسام والأعراض حتى الحركات والسكنات والأوضاع والهيئات والطعوم والروائح ، مثال قائم بذاته ، معلق لا في مادة ومحل يظهر للحس بمعونة مظهر كالمرآة والخيال والماء والهواء ونحو ذلك. وقد ينتقل من مظهر إلى مظهر ، وقد يبطل ، كما إذا فسدت المرآة والخيال ، أو زالت المقابلة أو التخيل.
وبالجملة : هو عالم عظيم الفسحة غير متناه يحذو حذو العالم الحسي في دوام حركة أفلاكه المثالية ، وقبول عناصره ومركباته آثار حركات أفلاكه ، وإشراقات العالم العقلي ، وهذا ما قال الأقدمون أن في الوجود عالما مقداريا غير العالم الحسي ، لا تتناهى عجائبه ، ولا تحصى مدته (٢) ، ومن جملة تلك المدن جابلقا وجابرصا ، وهما مدينتان عظيمتان ، لكل منهما ألف باب لا يحصى ما فيهما من الخلائق ، ومن هذا العالم تكون الملائكة والجن والشياطين والغيلان لكونها من قبيل المثل ، أو النفوس الناطقة المفارقة الظاهرة فيها ، وبه تظهر المجردات في صور مختلفة بالحسن ، والقبح ، واللطافة ، والكثافة ، وغير ذلك ، بحسب استعداد القابل والفاعل ، وعليه بنوا أمر المعاد الجسماني ، فإن البدن المثالي الذي تتصرف فيه النفس ، حكمه حكم البدن الحسي ، في أن له جميع الحواس الظاهرة والباطنة ، فيلتذ ويتألم باللذات والآلام الجسمانية ، وأيضا يكون من الصور
__________________
(١) أول من تكلم بذلك هو (أفلاطون) وفي الحقيقة أن الفلسفة اليونانية ، والفارسية والهندية وكل الفلسفات التي لم تهتد بالوحي هي أضاليل وأوهام لأن العقل قاصر له حد محدود يقف عنده ولا يتعدا والعاقل من جعل التنزيل دليله ومنهجه وسار على ما سار عليه الصحابة والتابعون ـ الذين التزموا بكتاب ربهم وسنة نبيهم ـ صلىاللهعليهوسلم.
(٢) في (ب) مدنه بدلا من (مدته)