وأما اعتراضه بمنع تساوي الأجسام في الماهية ، فلا يندفع بأن مبنى الكلام على اعترافهم يكون تلك البسائط متساوية في الطبع ، لأن مراده على ما صرح به في المباحث المشرقية (١) هو أنه لو ادعى مدع أنها متخالفة بالماهية ، وأنه لا يوجد جزءان متحدان في الماهية لم يثبت أن كل جسم قابل للقسمة والانفكاكية ، فلم يتم دليل على (٢) إثبات الهيولي. لكن لا خفاء في أنه احتمال بعيد لأن الكلام في الجسم المفرد الذي لا يعقل فيه اختلاف طبيعة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال إن القسمة بأنواعها تحدث في المقسوم اثنينية تساوي طباع كل واحد طباع المجموع على القسمة الواردة على الجسم المفرد ، وإلا ففساده واضح ، وفسر الطباع بمصدر الصفة الذاتية الأولية للشيء حركة أو سكونا ، كان أو غيرهما ، فيكون أعم من الطبيعة ، وفسر أنواع القسمة بما يكون بحسب الفتك (٣) والقطع ، أو بحسب الوهم. والفرض ، أو بحسب اختلاف عرضين قارين ، أي ما هو للموضوع في نفسه كالسواد والبياض ، أو غير قارين أي ما هو له بالقياس إلى الغير كالتماس والتحاذي ، وذلك لأن الانقسام إن تأدى إلى الافتراق فالأول ، وإلا فإن كان في مجرد الوهم فالثاني ، وإلا فالثالث ، وبما ذكرنا من اعتبار مجرد الوهم صار هذا قسما ثالثا ، وإلا فهو من قبيل الانقسام الوهمي والفرضي بدليل قولهم : إن الجزء ما لا ينقسم لا كسرا ولا قطعا ، ولا وهما ولا فرضا ، من غير تعرض لما يكون باختلاف عرضين ، وذلك للقطع بأن الجسم الذي يتسخن بعضه ، أو وقع الضوء على بعضه ، أو لاقى ببعضه جسما آخر ، لم يحصل فيه الانفصال بالفعل ، وبحسب الخارج ولم يصر جسمين ، ثم إذا زال التسخن أو الضوء أو الملاقاة عاد جسما واحدا. ولو كان كذلك لكانت المسافة تصير أقساما غير متناهية في الخارج بحسب موافاة المتحرك حدودا ، ثم تعود متصلة في نفسها ، واحدة في ذاتها عند انقطاع الحركة ، وما يقال إنا قاطعون بأن محل البياض من الجسم غير محل السواد منه مسلم ، لكن باعتبار اختلاف العرضين ، لا بالنظر إلى ذات الجسم بحيث يعرض له
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (المشرقية)
(٢) سقط من (أ) لفظ (على)
(٣) في (أ) الفك بدلا من (الفتك)