ثم لا خفاء في أن تلك الهوية الاتصالية لا تبقى بنفسها (١) عند طريان الانفصال ، بل تنعدم ويحدث هويتان أخريان مع القطع بأنه يبقى في حالتي الاتصال والانفصال أمر واحد ، وهو القابل لهما بالذات ، للفرق الضروري بين أن ينعدم جسم بكليته ، ويحدث جسمان آخران ، أو ينعدم جسمان ويحدث جسم ثالث ، وبين أن ينفصل جسم فيصير جسمين ، أو يتصل جسمان فيصير جسما واحدا ، كماء الجرة يجعل في كيزان ، أو ماء الكيزان يجعل في جرة ، فذلك أن (٢) الأمر الباقي في الحالين هو المراد بالهيولى ، وهو استعداد محض ليس في نفسه بواحد ، ومتصل ليمتنع طريان الكثرة والانفصال عليه ، مع بقائه بحاله ولا كثير ومنفصل ليمتنع طريان الاتصال عليه ، بل وحدته واتصاله بحلول الصورة الاتصالية فيه ، وانفصاله وكثرته بطريان الانفصال عليه.
فإن قلت : الهوية الاتصالية بمعنى الامتداد الجوهري مما أنكره المتكلمون ، وكثير من الفلاسفة ، فكيف يصح دعوى كونها أول ما يدرك من جوهرية الجسم؟ وإنما ذلك هو المقادير والامتدادات العرضية.
قلنا : لا نزاع في ثبوت جوهر شأنه الامتداد والاتصال ، وفي كونه مدركا بالحس ولو بواسطة ما يقوم به من الأعراض. وإنما النزاع في أنه هل هو في نفس الأمر متصل واحد كما هو عند الحس أم لا؟ وعلى الأول هل هو تمام الجسم أم لا؟ بل يفتقر إلى جزء آخر يتوارد عليه الاتصال والانفصال ، وأما الامتدادات العرضية ، أعني المقادير فهي التي أنكرها المتكلمون وكثير من الفلاسفة. أعني القائلين بأنها أمور عدمية لكونها نهايات وانقطاعات ، فالسطح للجسم ، والخط للسطح ، والنقطة للخط.
وفيما ذكرنا من التقرير دفع لعدة إشكالات تورد في هذا المقام.
الأول : أن كون الاتصال جوهرا أو جزءا من الجسم ظاهر البطلان. إذ لا يعقل
__________________
(١) في (ب) بعينها بدلا من (بنفسها)
(٢) سقط من (ب) لفظ (أن)