النوعية. وعند الأقدمين الجوهر إن كان متميزا فجرماني وهو الجسم لا غير وإلا فروحاني وهو النفس والعقل].
قد سبق تعريف الجوهر على رأي المتكلمين والحكماء ، وهذا المقصد مرتب على مقدمة لتقسيمه ، وما يتعلق بذلك ، ومقالتين بمباحث الأجسام ، ومباحث المجردات ، أما تقسيمه على رأي المتكلمين ، هو أن الجوهر لما كان عبارة عن المتحيز بالذات. فإما أن يقبل الانقسام وهو الجسم أو لا وهو الجوهر الفرد ، وعلى رأي المشائين (١) من الحكماء هو أنه إما عقل (٢) أو نفس أو جسم أو هيولى ، أو صورة ، ولهم في بيان ذلك طرق مبناها على ما يرون من نفس الجوهر الفرد ، وتجرد العقل والنفس ، وتحقق جوهرين حال ومحل هما حقيقة الجسم ونحو ذلك من قواعدهم ، وإلا فعليها إشكالات لا يخفي. الطريق الأول. أن الجوهر إن كان حالا في جوهر آخر فهي الصورة وإلا فإن كان محلا له فهي الهيولي وإلا فإن كان مركبا من الحال والمحل فهو الجسم ، وإلا فإن تعلق بالجسم تعلق التدبير والتصرف فالنفس ، وإلا فالعقل. الطريق الثاني : إن الجوهر إن كان مفارقا في ذاته بأن يكون مستغنيا عن مقارنة جوهر آخر. فإما أن يكون مفارقا في فعله أيضا وهو العقل أو لا وهو النفس وإن لم يكن مفارقا في ذاته ، بل مقارنا لجوهر آخر ، فإما أن
__________________
(١) المشاءون : أتباع ارسطو وتلاميذه أطلق عليهم الاسم لانهم كانوا يمشون في ممرات ملعب اللوقيون الذي اتخذه ارسطو مدرسة أشهرهم ثاوفرسطوس واستراتون.
(٢) العقل في اللغة : هو الحجى والنهى وقد سمى بذلك تشبيها بعقل الناقة لأنه يمنع صاحبه من العدول عن سواء السبيل كما يمنع العقال الناقة من الشرود.
والجمهور يطلق العقل على ثلاثة أوجه (راجع معيار العلم للغزالي ص ١٦٢) الأول يرجع إلى وقار الانسان وهيئته ، ويكون حده أنه هيئة محمودة للانسان في كلامه واختياره وحركاته وسكناته. والثاني يراد به ما يكتسبه الانسان بالتجارب من الأحكام الكلية فيكون حده انه معان مجتمعة في الذهن تكون مقدمات تستنبط بها الأغراض والمصالح. والثالث : يراد به صحة الفطرة الأولى في الانسان فيكون حده أنه قوة تدرك صفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها ..
والفلاسفة يطلقون العقل على عدة معان : منها أن العقل : جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها (الكندي رسالة في حدود الأشياء ورسومها). وهذا الجوهر : ليس مركبا من قوة قابلة للفساد. «ابن سينا الاشارات ص ١٧٨».