كل مادة تستدعي صورة على حدة ، أو غير موجودتين ، فيلزم أن يكون انفصال الجسم انعداما له بالكلية لا بمجرد صورته الاتصالية ، وهو مع بطلانه يبطل مقصود الاستدلال ، أعني بقاء أمر قابل للاتصال والانفصال.
وجوابه : أن المادتين كانتا موجودتين لكن بصفة الواحدة لوحدة الاتصال. والآن بصفة التعدد لتعدده ، ولا يلزم من تعددها بعد الوحدة انعدامها وافتقارها إلى مادة أخرى لما سبق من أنها استعداد محض ليس بمتصل ، واحد في نفسه ، كما ليس بمتعدد ، وإنما يفرض له ذلك ببقاء (١) تبعا للصورة ، فمناظر هذا الإشكال وإن أطنب فيه الإمام الرازي (٢) راجع إلى الثالث ، وهاهنا إشكال آخر ، وهو أن المطلوب ثبوت المادة لكل جسم ، وهذا الدليل لا يتم في الجسم الذي يمتنع عليه الانفصال الانفكاكي ، كالفلك. إذ قبول الانقسام الوهمي لا يستدعي قابلا في الخارج ، وسيجيء جوابه في فروع الهيولي.
[قال (وذهب الاشراقيون)
إلى أن الجسم واحد في ذاته لا تركيب فيه أصلا ، وإنما الهيولي اسم له من حيث تبدل الهيئات عليه ، ويحصل الأنواع منه ، وزعموا أن الاتصال بالمعنى الذي يقابل الانفصال ويزول بطريانه عرض ، وبمعنى الأمر الذي شأنه قبول الأبعاد ، والامتداد في الجهات قائم بنفسه ، متميز بذاته هو الجسم ليس إلا ، وما يتوهم من الامتداد الباقي عند تبدل أبعاد الشمعة إنما هو نفس المقدار المستحفظة بتعاقب الخصوصيات ، وكيف يتصور اختلاف طبيعة الامتداد بالجوهرية والعرضية على
__________________
(١) سقط من (أ) كلمة (ببقاء)
(٢) هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله. فخر الدين الرازي الامام المفسر أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل ، وهو قرشي النسب أصله من طبرستان مولده في الري عام ٥٤٤ ه ويقال له «ابن خطيب الري» رحل الى خوارزم وما وراء النهر وتوفي في هراه عام ٦٠٦ ه من تصانيفه (مفاتيح الغيب) وشرح أسماء الله الحسنى ، ومعالم أصول الدين ، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين. وغير ذلك كثير. راجع طبقات الاطباء ط : ٢٣ ومفتاح السعادة ١ : ٤٤٥