فنائها قولا بثبوت اللازم لثبوت الملزوم ، وقد سبق في بحث امتناع بقاء العرض بطلان دليل هذه الملازمة ، فاندفع ما ذكره الفريقان مع إمكان البعد عن النقض ، بأنه يجوز أن تفني الأجسام بعد بقائها ، بأن لا يخلق الله تعالى فيها الأعراض التي يكون بقاء الجسم محتاجا إليها مشروطا بها كالأكوان وغيرها على ما ذهب إليه القاضي وإمام الحرمين أو بأن لا يخلق فيها العرض الذي هو البقاء كما قال الكعبي (١) ، أو بأن يخلق فيها عرضا هو الفناء إما متعددا كما قال أبو علي : أنه تعالى يخلق لكل جوهر فناء ، وإما غير متعدد كما قال غيره. إن فناء واحدا يكفي لإفناء كل الأجسام ، وزعم بعضهم أن قول النظام بعدم بقاء الأجسام مبني على أن الجسم عنده مجموع أعراض ، والعرض غير باق ، وقد نبهناك على أن ليس مذهبه أن الجسم عرض ، بل إن مثل اللون والطعم والرائحة من الأعراض أجسام قائمة بأنفسها ، وأما الفلاسفة فلا نزاع لهم في فناء الأجسام بزوال الصور النوعية ، والهيئات التركيبية ، وإنما النزاع في فنائها بالكلية ، أعني الهيولي والصورة الجسمية ، ومبني ذلك عندهم على اعتقاد أزليته المستلزمة لأبديته ، فإن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وسيرد عليك شبههم بأجوبتها.
[قال (ومنها أن الجسم لا يخلو عن شكل)
لتناهيه ، وعن حيز بحكم الضرورة إلا أن خصوصيات ذلك عندنا بمحض خلق الله تعالى وزعمت الفلاسفة أن لكل جسم شكلا طبيعيا وحيزا طبيعيا ضرورة أنه لو خلى وطبعه لكان على شكل وفي حيز مكانا كان أو غيره ، ويلزم أن يكون معينا لاستحالة الحصول في المبهم ، ولا يكون إلا واحدا لكونه مقتضى الواحد.
__________________
(١) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي من بني كعب. البلخي الخراساني أبو القاسم ، أحد أئمة المعتزلة. كان رأس طائفة منهم تسمى «الكعبية» وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها وهو من أهل بلخ أقام ببغداد مدة طويلة وتوفي ببلخ عام ٣١٩ ه له كتب منها «التفسير» وتأييد مقالة أبي الهذيل ، وأدب الجدل ، وغير ذلك. قال السمعاني من مقالته. أن الله تعالى ليس له إرادة وأن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها. (راجع تاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ والمقريزي ٢ : ٣٤٨).