لأنه متناه على ما سيجيء وكل متناه (١) فله شكل إذ لا معنى له سوى هيئة إحاطة النهاية بالجسم ، وأما الافتقار إلى الحيز بمعنى فراغ يشغله فضروري ، وإنما يذكر هو وأمثاله من الأحكام الضرورية في المباحث العلمية من حيث يفتقر إلى تنبيه أو زيادة تحقيق وتفصيل أو تعقيب تفريع ، أو يقع فيه خلاف من شرذمة ، ثم استناد خصوصيات الأشكال والأحياز إلى القادر المختار هو المذهب عندنا كما سيجيء ، وذهبت الفلاسفة إلى أن لكل جسم شكلا طبيعيا ، وحيزا طبيعيا ، لأنه عند الخلو عن جميع القواسر والأسباب الخارجة يكون بالضرورة على شكل معين ، في حيز معين ، وهو المعنى بالطبيعي ، وعلى هذا لا يرد الاعتراض بأنه يجوز أن يقتضي شكلا ما ، وحيزا ما ، ككل جزء من أجزاء الأرض ، وتستند الخصوصية إلى سبب خارج كإرادة القادر المختار. لا يقال لعل من الأسباب ما هو من لوازم ماهيته ، فيكون فرض الخلو عند فرض محال ، فيجوز أن يستلزم محالا هو الخلو عن الشكل والحيز لأنا نقول : ما يقتضيه لازم الماهية يكون طبيعيا لا قسريا ، وهو ظاهر ولم يريدوا بالحيز هاهنا المكان بمعنى السطح الباطن من الحاوي ، حتى يرد الاعتراض بأن الجسم قد لا يكون له محل كالمحدد ، فضلا أن يكون طبيعيا ، ولا الفراغ الذي يشغله الجسم لما قال ابن سينا : إن كل جسم له حيز طبيعي ، فإن كان ذا مكان كان حيزه مكانا ، وقال أيضا لا جسم إلا وله حيز ، إما مكان ، وإما وضع ، وإما ترتيب.
فإن قيل : الاختصاص بالحيز الطبيعي كما أنه ليس معللا بالأسباب الخارجية ،
__________________
(١) المتناهي : ما له نهاية ويمكن قياسه. يقال لعدد صحيح إنه متناه إذا أمكن الحصول عليه باضافة الواحد الى نفسه إما مرة واحدة ، وإما مرات متكررة تكون احداها هي الأخيرة.
ويقال للعدد الحقيقي إنه متناه إذا كان أقل من عدد صحيح متناه ، ويقال للمقدار إنه متناه إذا أمكن قياسه بالنسبة الى مقدار من نوعه بعدد حقيقي متناه.
والمتناهي : هو المحدود قال ابن سينا. وأما السطح فليس هو داخلا في حد الجسم من حيث هو جسم ، بل من حيث هو متناه. (راجع النجاة ص ٣٢٧) وقال أيضا : من قال إنه متناه عنى أنه محدود في نفسه. (راجع الشفاء ص ١٢ ـ ج ١) قال ابن سينا : النهاية : هي ما به يصير الشيء ذو الكمية الى حيث لا يوجد وراءه مزاد شيء فيه (راجع رسالة الحدود ٩٢) والمتناهي : نقيض اللامتناهي.