تأخذ محل التالفة وتقوم مقامها في صدور ذلك العمل مرة ثانية وحفظ ذلك الهيكل من الانهيار والدمار ، وهكذا كلما ذهب جزء خلفه آخر خلع ولبس ، وكلما ذهب اشتد ظهور الحياة وتكاثرت مزاولة الأعمال الخارجية ازداد تلف المادة وتعويضها وتجديدها ، وهذا التلف الدائم لا يزال يعتوره التعويض المتصل من المادة الحديثة الداخلة في الدم والماء والغذاء ، ولو فقد الانسان واحدا منها ولو بمدة قصيرة هلك وفقد حياته.
وهذا العمل التجديدي عمل باطني سري لا يظهر في الخارج إلا بعد دقة في الفكر وتعمق في النظر ، ولكن عوامل الإتلاف ظاهرة للعيان يقال عنها أنها ظواهر الحياة ، وما هي في الحقيقة الا عوامل الموت لأنها لا تتم إلا باتلاف اجزاء انسجتنا البدنية وأليافنا العضوية ، فنحن في كل ساعة نموت ونحيا ونقبر وننشر حتى تأتينا الموتة الكبرى ونحيا الحياة الأخرى.
وعليه فاننا في وسط تنازع هذين العاملين : عامل الاتلاف والتعويض يفني جسمنا ويتجدد في مدار الحياة عدة مرات ، بمعنى أن جسمنا الذي نعيش به من بدء ولادتنا الى منتهى أجلنا في هذه الحياة تفنى جميع اجزائه في كل برهة وتتحصل أجزاء يتقوم بها هذا الهيكل وليس فيها جزء من الاجزاء السابقة ، ولا يمكن تقدير هذه البرهة على وجه التحقيق يعني في أي مقدار به تتلاشى تلك الأجزاء جميعا وتجدد غيرها بموضعها.
والمنسوب الى العالم الفسيولوجي (مولنيت) أن مدة بقائها ثلاثين يوما ثم تفنى جميعا ، أما المنقول عن (فلورنس) بأن المدة هي سبع سنين ، وقد أجرى العلماء المحققون في هذه الأعصار الامتحانات الدقيقة في بعض الحيوانات كالأرانب وغيرها فأثبت لهم البحث والتشريح تجدد كل انسجتها بل وحتى عظامها ذرة ذرة في مدة معينة.
واذا ثبت هذا التغيير ثبت وجود النفس المجردة بسهولة من قوة التذكر والتفكر ، فلو كانت قوة التذكر والتفكر مادية قائمة في خلايا الدماغ وأنها