والحق الواقع هو المذهب الأول ، ويدل عليه وجوه من الدليل العقلي والنقلي :
(الأول) أن اللطف واجب على الله تعالى ، ولا ريب أن وجود الامام في كل زمان وعصر لطف من الله تعالى بعبده ، لأنه بوجوده فيهم يجمع شملهم ويتصل حبلهم وينصف الضعيف من القوي والفقير من الغنى ويرتدع الجاهل ويتيقظ العاقل ، فاذا عدم بطل الشرع ، واكثر أحكام الدين وأركان الاسلام كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء ونحو ذلك ، فتنتفى الفائدة المقصودة منها.
(الثاني) أنه قد دل العقل والنقل على انه يجب على الله أن يفعل بعباده ما هو الأصلح لهم ، ولا ريب أنه لا يتم انتظام أمر المعاد والمعاش والدين والدنيا إلا بنصب رئيس ومعلم يرشد الناس إلى الحق عند اختلافهم وجهلهم ويردهم إليه عند اختصامهم ومجادلاتهم (والمراد من الوجوب درك العقل لا أنه حاكم على الله تعالى).
(الثالث) أن العقل السليم والفهم المستقيم يحيل على العزيز الحكيم والرسول الكريم ـ مع كونه مبعوثا إلى كافة الأنام وشريعته باقية إلى يوم القيامة ـ أن يهمل امته مع نهاية رأفته وغاية شفقته بهم وعليهم ، ويترك بينهم كتابا في غاية الاجمال ونهاية الاشكال له وجوه عديدة ومحامل يحمله كل منهم على هواه ورأيه ، وأحاديث كذلك لم يظهر لهم منها إلا القليل ، وفيها ـ أي في الأحاديث ـ مع ذلك المكذوب والمفترى والمحرف ، ولا يعين لهذا الأمر العظيم رئيسا يعول في المشكلات عليه ويركن في سائر الأمور إليه ، إن هذا مما يحيله العقل على رب العالمين وعلى سيد المرسلين ، وكيف يوجب الله تعالى على الانسان الوصية والايصاء عند الموت لئلا يموت ميتة جاهلية ولئلا يدع اطفاله ومتروكاته بغير قيم وولي وحافظ ولا يوجب على النبي الايصاء والوصية مع أن رأفة الله بخلقه ورأفة