مذهب أبي حنيفة ، فبدا لي أن أرجع إلى مذهب الشّافعيّ ، وكنت متردّدا في ذلك. فحججت ، فلمّا بلغت سميراء (١) ، رأيت ربّ العزّة في المنام ، فقال لي :عد يا أبا المظفّر. فانتبهت ، وعلمت أنّه يريد مذهب الشّافعيّ ، فرجعت إلى مذهب الشّافعيّ (٢).
وقال الحسين بن أحمد الحاجّيّ : خرجت مع الإمام أبي المظفّر إلى الحجّ ، فكلّما دخلنا بلدة نزل على الصّوفيّة ، وطلب الحديث من المشيخة. ولم يزل يقول في دعائه : اللهم بيّن لي الحقّ من الباطل. فلمّا دخلنا مكّة ، نزل على أحمد بن عليّ بن أسد ، ودخلت في صحبة سعد الزّنجانيّ ، ولم يزل معه حتّى صار ببركته من أصحاب الحديث. فخرجنا من مكّة ، وتركنا الكلّ ، واشتغل هو بالحديث (٣).
قرأت بخطّ أبي جعفر الهمذانيّ الحافظ قال : سمعت أبا المظفّر يقول :كنت في الطّواف ، فوصلت إلى الملتزم ، وإذا برجل قد أخذ بطرف ردائي ، فالتفتّ ، فإذا أنا بالإمام سعد الزّنجانيّ ، فتبسّمت إليه ، فقال : أما ترى أين أنت؟
هذا مقام الأنبياء والأولياء. ثمّ رفع طرفه إلى السّماء وقال : اللهمّ كما أوصلته إلى أعزّ المكان ، فأعطه أشرف عزّ في كلّ مكان وزمان. ثمّ ضحك إليّ ، وقال لي : لا تخالفني في سرّك ، وارفع معي يدك إلى ربّك ، ولا تقولنّ البتّة شيئا ، واجمع لي همّتك ، حتّى أدعو لك ، وأمّن أنت ، ولا تخالفني عهدك القديم.
فبكيت ، ورفعت معه يدي ، وحرّك شفتيه ، وأمّنت.
ثمّ قال : مر في حفظ الله ، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمّة.
فمضيت من عنده ، وما شيء في الدّنيا أبغض إليّ من مذهب المخالفين (٤).
قرأت بخطّ أبي جعفر أيضا : سمعت الإمام أوحد عصره في علمه أبا
__________________
(١) سميراء : منزل بطريق مكة بعد توز مصعدا وقبل الحاجز. (معجم البلدان ٣ / ٢٥٥).
(٢) التدوين في أخبار قزوين ٤ / ١١٨.
(٣) طبقات الشافعية الكبرى ٤ / ٢٣.
(٤) طبقات الشافعية الكبرى ٤ / ٢٣ ، ٢٤.