٢٨٤ ـ محمد بن عبّاد بن محمد بن إسماعيل بن قريش (١).
__________________
= موطنه قديما ، فأقام هناك مدة ، ثم خرج إلى الحج ، وسافر إلى مكة في موسم سنة سبع وثمانين ، فخرج العرب على الرفقة بقرب الرَّبَذَة ، فلم يسلم من الحجيج سواه. وجاور بعد الحج بمدينة الرسول صلوات الله عليه ـ إلى أن توفي في النصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين ، ودفن بالبقيع عند القبة التي فيها قبر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (الخريدة ١ / ٧٨).
وقال ابن طباطبا : كان رجلا ديّنا خيّرا ، كثير الخير والبرّ والصدقة ، وقف له على ثبت خرج على وجوه البرّ والصدقات خاصّة بما قدره مائة وعشرون ألف دينار. وكان الّذي أورد هذا الثبت كاتبا من جملة عشرة كتبة يكتبون صدقاته خاصة.
ولما ولى ظهير الدين المذكور كتب إليه ابن الحريري صاحب «المقامات» :
هنيئا لك الفخر فافخر هنيّا |
|
كما قد رزقت مكانا عليّا |
وبتّ كآبائك الأكرمين |
|
لدست الوزارة كفأ رضيّا |
تحمّلت أعباءها يافعا |
|
كما أوتي الحكم يحيى صبيّا |
كان يصلّي الظهر ، ويجلس لكشف المظالم إلى وقت العصر ، وكان الحجّاب ينادون في الناس : من كانت له حاجة فليعرضها.
ومن مناقبه أنه لما وقعت الفتن بين السّنّة والشيعة بالكرخ وباب البصرة من مدينة السلام تغاضى عن إراقة الدماء غاية التغاضي ، حتى قال له المقتدي : إن الأمور لا تمشي بهذا اللين الّذي تستعمله ، وقد أطمعت الناس بحلمك وتجاوزك ، ولا بدّ من نقض دور عشرة من كبار أهل المحال ، حتى تقوم السياسة وتسكن هذه الفتن. فأرسل الوزير إلى المحتسب وقال له :قد تقدّم الخليفة بنقض دور عشرة من كبار أهل المحالّ ولا تمكنني المراجعة فيهم ، وما آمن من أن يكون فيهم أحد غير مستحقّ للمؤاخذة ، أو أن يكون الملك ليس له ، فأريد أن تبعث ثقاتك إلى هذه المحالّ وتشتري أملاك هؤلاء المتّهمين ، فإذا صارت الأملاك لي نقضتها ، وأسلم بذلك من الإثم ومن سخط الخليفة ، ونقده الثمن في الحال ، ففعل المحتسب ذلك ، ثم بعد ذلك أرسل ونقضها.
وقد اعتزل وتزهّد ولبس ثياب القطن وتوجّه إلى الحجّ ، وأقام بمدينة الرسول ، صلوات الله عليه وسلامه ، فكان يكنس المسجد النبويّ ويفرش الحصر ويشعل المصابيح وعليه ثوب من غليظ الخام ، وبدأ بحفظ القرآن وختمه هناك.
وله شعر لا بأس به ، فمنه قوله :
إنّ من شتّت الجميع من الشمل |
|
قدير بأن يجمع أهلا |
لست مستيئسا وإن طال هجر |
|
ربّ هجر يكون عقباه وصلا |
وإذا أعقب الوصال فراقا |
|
كان ذاك الوصال في القلب أحلى |
وأرّخ ابن طباطبا وفاته بسنة ٥١٣ ه. (الفخري ٢٩٧ ـ ٢٩٩).
وهو صاحب «ذيل تجارب الأمم» وذيّله على «تجارب الأمم» لمسكويه ، وقد نشره المستشرق آمدروز.
(١) انظر عن (محمد بن عبّاد) في : مطمح الأنفس لابن خاقان ١٠ ـ ٢٢ ، والذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسّام قسم ٢ مجلّد ١ / ٤١ ـ ٨١ وخريدة القصر وجريدة العصر للعماد (قسم