ثمّ إنّه حجّ وجاور بالمدينة إلى أن مات بها كهلا. وكان ديّنا عالما ، من محاسن الوزراء.
قال العماد الكاتب : (١) لم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدّين والشّرع مثله. وكان عصره أحسن العصور رحمهالله.
[ذكره] (٢) صاحب «المرآة» (٣).
ولمّا ولي وزارة المقتدي كان سليما من الطّمع في المال ، لأنّه كان يملك حينئذ ستّمائة ألف دينار ، فأنفقها في الخيرات والصّدقات.
قال أبو جعفر الخرفيّ : كنت أنا واحدا من عشرة نتولّى إخراج صدقاته ، فحسبت ما خرج على يديّ ، فكان مائة ألف دينار.
وكان يبيع الخطوط الحسنة ، ويتصدّق بها ، ويقول : أنا أحبّ الأشياء إليّ الدّينار والخطّ الحسن ، فأنا أتصدّق بمحبوبي لله.
وجاءته قصّة بأنّ امرأة وأربعة أيتام عرايا ، فبعث من يكسوهم ، وقال : والله لا ألبس ثيابي حتّى ترجع. وتعرّى ، فعاد الغلام (٤) وهو يرعد من البرد.
وكان قد ترك الاحتجاب ويكلّم المرأة والصّبيّ ، ويحضر مجالسة الفقهاء والعوامّ ، ولا يمنع أحدا. وأسقطت المكوس في أيّامه ، وألبس الذّمّة الغيار. ومحاسنه كثيرة ، وصدقاته غزيرة ، وتواضعه أمر عجيب (٥) ، فرحمهالله تعالى.
__________________
(١) في خريدة القصر (قسم شعراء العراق) ١ / ٧٨.
(٢) في الأصل بياض.
(٣) أي مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي.
(٤) هكذا في الأصل ، وهو وهم ، وصوابه ما جاء في «الخريدة» ١ / ٨٦ : «ولم يزل يرعد (الروذراوريّ) إلى أن عاد صاحبه إليه وأخبره بذلك».
(٥) ونقل العماد عن كتاب «المعارف» لابن الهمذاني ، أنه ظهر منه من التلبّس بالدين وإظهاره ، وإعزاز أهله والرأفة بهم ، والأخذ على أيدي الظلمة ، ما أذكر به عدل العمرين. وكان لا يخرج من بيته حتى يكتب شيئا من القرآن ، ويقرأ في المصحف ما تيسّر ، وكان يؤدّي زكاة أمواله الظاهرة في سائر أملاكه وضياعه وإقطاعه ، ويتصدّق سرّا. (الخريدة ١ / ٨٥ ، ٨٦).
وذكر العماد أنه لما عزل من الوزارة خرج إلى الجامع ماشيا يوم الجمعة من داره ، وانثالت العامّة عليه تصافحه وتدعو له ، وكان ذلك سببا لإلزامه بيته. ثم أخرج إلى روذراور ، وهو=