الأصلُ السابعُ والثمانون : حديث الغدير
كان رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما يبدو في الأحاديث السالفةُ ـ يعرّف بخليفته ووصيه تارةً بصورةٍ كليّةٍ ، وأُخرى بصورةٍ معيّنةٍ ، أي بذكر اسم الخليفة والوصيّ بحيث يمثّلُ كلّ واحدٍ من تلك الأحاديث حجةً كاملةً وتامّةً لمن يطلبُ الحقيقة وهو شهيدٌ واعٍ. ولكن مع ذلك ولكي يُوصِلَ النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نداءَه إلى كلّ قاصٍ ودانٍ من المسلمين في ذلك اليوم ، ويرفعَ كلّ إبهام وغموضٍ ، ويدفع كلّ شك أو تشكيكٍ في هذا المجال ، توقّفَ عند قُفوله ومراجَعَته من حَجّة الوَداع في أرض تسمى بغدير خم ، وأخبر من مَعَه من الحجيج بأنّه كُلِّف مِن جانب الله تعالى بأن يُبلِّغ رسالة إليهم ، وهي رسالة تحكي عن القيام بأمرٍ جدّ عظيم ، بحيث إذا لم يُبلِّغها يكون كأنّه لم يُبَلّغ شيئاً من رسالته كما قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١). (٢)
ثمّ رقى النبيُّ منبراً من أقتاب الإبل وحُدُوجها ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم مخاطباً الناس : «يوشك أنْ ادعى فأجيب فما ذا أنتم قائلون؟»
قالوا : نَشهدُ أنّك قد بَلّغتَ ونَصحتَ وجَهَدتَ فجزاك اللهُ خيراً.
__________________
(١). المائدة / ٦٧.
(٢). أشار المحدّثون والمفسِّرون المُسلمون إلى نُزُول هذه الآية في حَجّة الوداع ، يومَ الغدير ، انظر : كتابَ «الدرّ المنثور» للسيوطي ٢ / ٢٩٨ ، و «فتح القدير» للشوكاني ٢ / ٥٧ ؛ وكشف الغمة للإربليّ ، ص ٩٤ ؛ «ينابيع المودّة» للقندوزي ، ص ١٢٠ ؛ المنار : ٦ / ٤٦٣ وغيرها.