الأصلُ السادسُ والعشرون بعد المائة : التوسّل
إنّ حياةَ البَشَر قائمةٌ على أساس الاستفادة من الوسائل الطبيعيّة والاستعانة بالأسباب ، التي لِكلّ واحدٍ منها أثرٌ خاصٌ.
فَكُلُّنا عند ما نعطش نشربُ الماء ، وعند ما نجوعُ نأكلُ الطعام ، وعند ما نريد الانتقالَ من مكانٍ إلى آخر نستخدم وسائلَ النَّقل ، وعند ما نريد إيصال صوتنا إلى مكانٍ نستخدم الهاتفَ ، لأنّ رفعَ الحاجة عن طريق الوسائل الطبيعيّة ـ بشرط أن لا نعتقد باستقلالها في التأثير ـ هو عينُ «التوحيد» ومن صميمه.
فالقرآنُ الكريمُ وهو يُذكّرُنا بقصّة ذي القرنين في بنائه للسدِّ يُخبرُنا كيف طلب العونَ والمعونة من النّاس إذ قال : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) (١).
وإنّ الذين يُفسّرُون الشركَ بالتعلُّق والتوسُّل بغير الله ، إنَّما يصحُّ كلامُهم هذا إذا اعتقد الإنسانُ بتأثيرِ الوسائل والأسباب على نحوِ الاستقلال والأصالةِ.
وأمّا إذا اعتقد بأنَّها تؤثّر بإذن الله فإنّه سينتهي حينئذ إلى نتيجةٍ لا تُخرِجُه عَن مسيرِ التوحيد.
ولقد قامَت حياةُ البشرية من أوّل يوم على هذا الأساس والقاعدة
__________________
(١). الكهف / ٩٥.