الأصلُ الثلاثون : التوحيد في الخالقية
المرتبة الثالثة من مراتب التوحيد هي التوحيد في الخالقية ، بمعنى انّه لا خالق إلَّا الله ، وأنّ الوجود برمته مخلوقُه ، وقد أكّد القرآن الكريم على هذه الحقيقة إذ قال :
(قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١).
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٢).
وليس الوحي وحده يثبت ذلك بل يقول به العقل ويؤكّده ، لأنّ كل ما سوى الله ممكنٌ محتاجٌ ، وترتفع حاجته ويتحقّق وجوده من جانب الله.
إنّ التوحيد في الخالقية لا يعني نفي أصل السببيّة والعليّة في عالم الوجود ، لأنّ تأثيرَ كلِّ ظاهرة مادّية في مثلها منوطٌ بإذن الله ، ووجودُ السبب وسَبَبيّتُه كلاهُما من مظاهر المشيئة الإلهية ، فالله سبحانه هو الذي أعطى النور ، والضوء للشمس والقمر ، وإذا أراد سَلْبَه عنهما فعل ذلك دون مانع ومنازع ، ولهذا كان الخالق الوحيد بلا ثان.
وقد أيّد القرآن الكريم ـ كما أسلفنا في الأصل الثامن ـ قانون العليّة ونظام السببية في الكون كما قال الله : (يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) (٣).
__________________
(١). الرعد / ١٦.
(٢). غافر / ٦٢.
(٣). الروم / ٤٨.